التفاسير

< >
عرض

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِٱلْغَيْبِ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ
٢٥
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٦
ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ
٢٧
-الحديد

تفسير القرآن

{ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } بالمعارف والحكم { وأنزلنا معهم الكتاب } أي: الكتابة { والميزان } أي: العدل لأنه آلته { وأنزلنا الحديد } أي: السيف لأنه مادّته وهي الأمور التي بها يتم الكمال النوعي وينضبط النظام الكلي المؤدّي إلى صلاح المعاش والمعاد إذ الأصل المعتبر والمبدأ الأول هو العلم والحكمة، والأصل المعوّل عليه في العمل والاستقامة في طريق الكمال هو العدل، ثم لا ينضبط النظام ولا يتمشى صلاح الكل إلا بالسيف والقلم اللذان يتم بهما أمر السياسة، فالأربعة هي أركان كمال النوع وصلاح الجمهور ويجوز أن تكون البينات إشارة إلى المعارف والحقائق النظرية، والكتاب إشارة إلى الشريعة والحكم العملية، والميزان إلى العمل بالعدل والسوية، والحديد إلى القهر ودفع شرور البرية. وقيل: البينات العلوم الحقيقية والثلاثة الباقية هي النواميس الثلاثة المشهورة المذكورة في الكتب الحكمية، أي: الشرع والدينار المعدّل للأشياء في المعاواضات والملك وأيّاً ما كان فهي الأمور المتضمنة للكمال الشخصي والنوعي في الدارين إذ لا يحصل كمال الشخص إلا بالعلم والعمل ولا كمال النوع إلا بالسيف والقلم. أما الأول فظاهر وأما الثاني فلأن الإنسان مدنيّ بالطبع محتاج إلى التعامل والتعاون لا تمكن معيشته إلا بالاجتماع، والنفوس إما خيرة أحرار بالطبع منقادة للشرع وإما شريرة عبيد بالطبع آبية للشرع. فالأولى يكفيها في السلوك طريق الكمال، والعمل بالعدالة اللطف وسياسة الشرع. والثانية لا بدّ لها من القهر وسياسة الملك.