{ ألم تر إلى الذين تولوا قوماً غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم } لأنّ الموالاة لا تكون ثابتة حقيقة إلا مع الجنسية والمناسبة، فإن كانت وجب إزالتها وإلا وجب الاحتراز من سرايتها بالصحبة والموالاة وإنما تمكن المولاة مع عدمها إذا كانت بسبب خارجي من نفع أو لذّة زالت بزواله وإلا لما أمكنت، ولهذا نفى الموالاة الحقيقية بينهم بنفي موجبها فقال: { ما هم منكم } إنما هي محض النفاق. { استحوذ عليهم الشيطان } أي: الوهم { فأنساهم ذكر الله } بتسويل اللذات الحسيّة والشهوات البدنية لهم وتزيين الدنيا وزبرجها في أعينهم.
{ لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر } الإيمان اليقيني { يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم } إلى آخره، لأن المحبة أمر روحاني فإذا أيقنوا وعرفوا الحق وأهله غلبت قلوبهم وأرواحهم نفوسهم وأشباحهم فمسخت المحبة الروحانية. والمناسب الحقيقية بينهم وبين الحق وأهله المحبة الطبيعية المستندة إلى القرابة واتصال اللحمة لأن الاتصال الروحاني أشد وأقوى وألذّ وأصفى من الطبيعي { كتب في قلوبهم الإيمان } بالكشف واليقين المذكر للعهد الأول الكاشف عنه { وأيدّهم بروح منه } لاتصالهم بعالم القدس أو بنور تجلي الذات { ويدخلهم جنات } من الجنان الثلاث { تجري من تحتها } أنهار علوم التوحيد والتشريع { رضي الله عنهم } بمحو صفاتهم بصفاته بنور التجلي { ورضوا عنه } بالاتصال بصفاته { أولئك حزب الله } السابقون الذين لا يلتفتون إلى غيره ولا يثبتونه { هم المُفْلحون } الفائزون بالكمال المطلق.