التفاسير

< >
عرض

مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٧
لِلْفُقَرَآءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ
٨
وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُوا ٱلدَّارَ وَٱلإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
٩
-الحشر

تفسير القرآن

{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } لأنه متحقق بالله فكل ما أمر به فهو أمر الله وما نهى عنه نهي الله لقوله: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } [النجم، الآيات:3 - 4] { للفقراء المهاجرين } أي: التاركين المجرّدين المهاجرين عن مقام النفس { الذين أُخْرجوا } أي: أخرجهم الله، إذ لو خرجوا بنفوسهم لاحتجبوا بها وبرؤية الترك والتجريد فوقعوا في مقام النفس مع حجاب العجب الذي هو أشدّ من الذنب { من ديارهم وأموالهم } من مواطنهم ومألوفاتهم أي: صفات نفوسهم ومعلوماتهم { يبتغون فضلاً من الله } من العلوم والفضائل الخلقية { ورضواناً } من الأحوال والمواهب السنية من أنوار تجليات الصفات { وينصرون الله ورسوله } ببذل النفوس لقوة اليقين { أولئك هم الصادقون } في الإيمان اليقيني لتصديق أعمالهم دعواهم، إذ علامة وجدان اليقين ظهور أثره على الجوارح بحيث لا تمكن حركاتها إلا على مقتضى شاهدهم من العلم { والذين تبوؤوا الدار والإيمان } أي: المقرّ الأصلي الذي هو الفطرة الأولى والعهد الأول الذي هو محل الإيمان وموطنه ولهذا قرنه به، فإن النفس موطن الغربة { من قبلهم } أي: من قبل هجرة المهاجرين من دار الغربة التي هي النفس إليها لأن هذه الدار هي الدار الأصلية المتقدمة على ديارهم، ولهذا قال عليه السلام: "حبّ الوطن من الإيمان" . فهم الذين لم يسقطوا عن الفطرة ولم يحتجبوا بحجاب النفس في النشأة وبقوا على صفائها بخلاف الأولين الذين تكدّروا وتغيروا ثم رجعوا إلى الصفاء بالسير والسلوك { يحبون من هاجر إليهم } لوجود الجنسية في الصفاء وتحقق المناسبة الأصلية والقرابة الحقيقية بالوفاء وتذكر العهد السابق بالموافقة في الدين والإخاء { ولا يجدون في صدورهم حاجة ممّا } أوتي المهاجرون من الحظوظ لسلامة قلوبهم عن آفات النفوس وطهارتها عن دواعي الحرص وتنزّهها عن محبة الحظوظ وتيقنها بالاقسام.
{ ويؤثرون على أنفسهم } لتجرّدهم وتوجههم إلى جناب القدس وترّفهم عن مواد الرجس وكون الفضيلة لهم أمراً ذاتياً باقتضاء الفطرة وفرط محبة الإخوان بالحقيقة والأعوان في الطريقة { ولو كان بهم خصاصة } فتقديمهم أصحابهم على أنفسهم لمكان الفتوّة وكمال المروءة ولقوة التوحيد والاحتراز عن حظ النفس وخوف الرجوع إلى المطالب الجزئية بعد وجدان الذوق من المطالب الكلية.
{ ومن يوق شح نفسه } بعصمة الله وكلاءته، فإنّ النفس مأوى كل شرّ ووصف رديء، وموطن كل رجس وخلق دنيء، والشح من غرائزها المعجونة في طينتها لملازمتها الجهة السفلية ومحبتها الحظوظ الجزئية فلا ينتفي منها إلا عند انتفائها ولكن المعصوم من تلك الآفات والشرور من عصمه الله { فأولئك هم المفلحون } بالكمالات القلبية.