التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
١٢٣
وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ
١٢٤
فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
١٢٥
-الأنعام

تفسير القرآن

{ وكذلك جعلنا في كل قرية } للحكمة المذكورة في إعلاء الأنبياء وكذا في قرية وجود الإنسان التي هي البدن، جعلنا أكابر مجرميها من قوى النفس الأمّارة ليمكروا فيها بإضلال القلب وفتنته وإغوائه { وما يمكرون إلا بأنفسهم } لأن عاقبة مكرهم راجعة إليهم باحتراقهم بنيران فقدان الآلات والأسباب في جحيم الهوى والحرمان عن اللذات والشهوات وحصول الآلات الجسمانية عند خراب البدن وعند المعاد والبعث في أقبح الصور على أسوأ الأحوال.
{ وإذا جاءتهم آية } من صفة قلبية وإشراق نوري من هيئة ملكية خلقية، أو علم وحكمة وفيض من روح ينكرونها بالإعراض عنها، ويتمنون من قبل الوهم والخيال إدراكات مثل إدراكات العقل والفكر وتركيبات تخيلية ومغالطات وهمية يعارضون بها البراهين الحقة حتى يؤمنوا بها ويذعنوا لها. { الله أعلم حيث يجعل رسالته } لا يضعها إلا مواضعها من القوى الروحانية المجرّدة من المواد الهيولانية { سيصيب الذين أجرموا } باحتجابهم ومكرهم في إضلالهم من استعدّ للهدى أو اهتدى من القلوب الصافية { صغار عند الله } بزوال قدرتهم وتمكنهم بخراب البدن { وعذاب شديد } بحرمانهم عما يلائمهم ووصول ما ينافيهم في المعاد الجسماني بسبب مكرهم.
{ فمن يرد الله أن يهديه } من هذه القوى للانقياد للعقل { يشرح صدره } أي: يسهل عليه ويجعل وجهه الذي يلي القلب ذا نتوء وسعة لقبول نوره وممكناً من استسلامه له { ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره } يعسر عليه ويعجزه عن ذلك { حرجاً } ذا ظلمة وقصور استعداد عن قبول النور كأنما يزاول أمراً ممتنعاً في الاستنارة بنور القلب وطلب الفيض منه. على هذا التأويل الذي ذكرناه وعلى المعنى الظاهر المراد من الآية السابقة. فمن يرد الله أن يهديه للتوحيد يشرح صدره بقبول نور الحق وإسلام الوجود إلى الله بكشف حجب صفات نفسه عن وجه قلبه الذي يلي النفس، فيفسح لقبول نور الحق. ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً باستيلائها عليه وضغطها له { كأنما يصعد } في سماء روحه مع تلك الهيآت البدنية وذلك أمر محال.
{ كذلك يجعل الله } رجس التلوّث بلوث التعلقات المادية أو رجس التعذب بالهيآت البدنية { على الذين لا يؤمنون }.