التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ
٣
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ
٤
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ لَوَّوْاْ رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ
٥
سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ
٦
هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ
٧
يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ
٨
-المنافقون

تفسير القرآن

{ ذلك بـ } سبب { أنهم آمنوا } بالله بحسب بقية نور الفطرة والاستعداد { ثم كفروا } أي: ستروا ذلك النور بحجب الرذائل وصفات نفوسهم { فطبع على قلوبهم } برسوخ تلك الهيئات وحصول الرين من المكسوبات فحجبوا عن ربهم بالكلية { فهم لا يفقهون } معنى الرسالة ولا علم التوحيد والدين.
{ وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم } لأن التناسب في أشكالهم وحسن مناظرهم وروائهم وكمال صباحتهم ووسامتهم دلّ على استعدادهم من جهة الفراسة ونمّ بنور فطرهم، ولهذا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولهم: واستمع إلى كلامهم: فإن الصباحة وحسن المنظر لا يكون إلا من صفاء الفطرة في الأصل. ولما رأى غلبة الرين على قلوبهم وانطفاء نور استعدادهم وإبطال الهيئات البدنية العارضية خواصهم الأصلية آيس منهم وتعجب من حالهم بقوله: { أنى يؤفكون } أي: يصرفون عن النور إلى الظلمة وعن الحق إلى الباطل. وروي عن بعض الحكماء أنه رأى غلاماً حسناً وجهه، فاستنطقه لظنه ذكاءه وفطنته فما وجد عنده معنى فقال: ما أحسن هذا البيت لو كان فيه ساكن، وهذا معنى قوله: { كأنهم خشب مسندة } أي: أجرام خالية عن الأرواح لا نفع فيها ولا ثمر كالأخشاب المسندة إلى الجدران عند الجفاف وزوال الروح النامية عنها، فهم في زوال استعداد الحياة الحقيقية والروح الإنساني بمثابتها { يحسبون كل صيحة عليهم هم العدوّ } لأن الشجاعة إنام تكون من اليقين، واليقين من نور الفطرة وصفاء القلب، وهم منغمسون في ظلمات صفات النفوس محتجبون باللذات والشهوات أهل الشك والارتياب، فلذلك غلبهم الجبن والخور فاحذرهم فقد بطل استعدادهم فلا يهتدون بنورك ولا تؤثر فيهم صحبتك { لووا رؤوسهم } لضراوتهم بالأمور الظلمانية واعتيادهم بالكمالات البهيمية والسبعية فلا يألفون النور ولا يشتاقون إليه ولا إلى الكمالات الإنسانية لمسخ الصورة الذاتية { ورأيتهم يصدّون } يعرضون لانجذابهم إلى الجهة السفلية والزخارف الدنيوية فلا ميل في طباعهم إلى الجهة العلوية والمعاني الأخروية { وهم مستكبرون } لغلبة الشيطنة واستيلاء القوة الوهمية واحتجابهم بالأنائية وقصور الخيرية { لن يغفر الله لهم } لرسوخ الهيئات الظلمانية فيهم وزوال قبول استعداداتهم للهداية لفسقهم وخروجهم عن دين الفطرة القيم.
{ يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } لاحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل الله وبما في أيديهم عما في خزائن الله فيتوهمون الإنفاق منهم لجهلهم وكذا توهموا العزّة والقدرة ولأنفسهم لاحتجابهم بصفاتهم عن صفات الله فقالوا: { ليخرجنّ الأعز منها الأذل } ولم يشعروا أن العزة والقوة والقدرة كلها أنوار ذات الله تعالى وصفاته اللازمة لذاته فبقدر القرب منه والفناء فيه والمحو في صفاته تظهر على المظاهر الإنسية ولا أقرب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم المؤمنين المحققين الموقينين فلا أعز منه عليه السلام من جميع الخلق ثم الذين يلونه من المؤمنين { ولكنّ المنافقين لا يعلمون } لمكان احتجابهم وشدّة ارتيابهم. ولقد قيض من نفس من تكلم بهذا الكلام من أخرجه وحبسه ولم يدعه يدخل المدينة حتى أقر بأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. روي أن القائل لذلك هو عبد الله بن ابيّ، فلما رجعوا إلى المدينة سلّ ابنه السيف ومنع أباه من الدخول، فلم يزل حبيساً في يده حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهد هو بعزّة الله ورسوله والمؤمنين.