التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ ٱلْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلتَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
٩
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
١٠
مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
١١
وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
١٢
ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١٣
-التغابن

تفسير القرآن

{ ذلك يوم التغابن } أي: ليس التغابن في الأمور الدنيوية فإنها أمور فانية سريعة الزوال، ضرورية الفناء، لا يبقى شيء منها لأحد، فإن فات شيء من ذلك أو أفاته أحد ولو كان حياته فإنما فات أو أفيت ما لزم فوته ضرورة فلا غبن ولا حيف حقيقة وإنما الغبن والتغابن في إفاتة شيء لو لم يفته لبقي دائماً وانتفع به صاحبه سرمداً وهو النور الكمالي والاستعدادي فتظهر الحسرة والتغابن هناك في إضاعة الربح ورأس المال في تجارة الفوز والنجاة كما قال: { فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } [البقرة، الآية:16] فمن أضاع استعداده ونور فطرته كان مغبوناً مطلقاً كمن أخذ نوره وبقي في الظلمة، ومن بقي نور فطرته ولم يكتسب الكمال اللائق به الذي يقتضيه استعداده أو اكتسب منه شيئاً ولم يبلغ غايته كان مغبوناً بانسبة إلى الكامل التام فكأنما ظفر ذلك الكامل بمقامه ومرامه وبقي هذا متحيراً في نقصانه { ومن يؤمن بالله } بحسب نور استعداده { ويعمل صالحاً } بمقتضى إيمانه فإن العمل إنما يكون بقدر النظر { يكفر عنه سيئاته } التي اتقى الله فيها بعمله { ويدخله جنات } على حسب درجات أعماله، فإن آمن تقليداً واجتنب المعاصي وعمل بالطاعات يكفر عنه سيئات ذنوبه ويدخله جنات النفس على حسب درجات عمله وتقواه، وإن آمن تحقيقاً واجتنب صفاته وعمل بالسلوك في صفات الله ومرضاته يكفر عنه سيئات صفات نفسه ويدخله جنات القلب على قدر مراتبه في الأعمال والمقامات، وإن آمن إيماناً عينياً وعمل بالمشاهدة واتقى الله في وجوده يدخل جنات الروح بتكفير سيئات وجود قلبه وصفاته، وإن آمن إيماناً حقيقياً واتقى في آنيته ورؤية فنائه يكفر عنه سيئات بقيته وتلوينه بظهور أنائيته ويدخله جنات الذات.
{ والذين كفروا } حجبوا في مقابلة المؤمنين ومراتبهم { أولئك أصحاب } نار الطبقة التي حجبوا بها معذبين.
{ ما أصاب من مصيبة } من هذه المصائب الحاجبة وغيرها { إلا بإذن الله } أي: بتقديره ومشيئته على مقتضى حكمته { ومن يؤمن بالله } أحد الإيمانات المذكورة { يهد قلبه } إلى العمل بمقتضى إيمانه حتى يجد كمال مطلوبه الذي آمن به ويصل إلى محل نظره { والله بكل شيء عليم } فيعلم مراتب إيمانكم وسرائر قلوبكم وأحوال أعمالكم وآفاتها وخلوصها من الآفات.
{ واطيبعوا الله وأطيعوا الرسول } على حسب معرفتكم بالله وبالرسول فإن أكثر التخلف من الكمال والوقوع في الخسران والنقصان إنما يقع من التقصير في العمل وخور القدم لا من عدم النظر.