التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٨
يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ
٩
-التحريم

تفسير القرآن

{ يا أيها الذين آمنوا تُوبوا إلى الله } بالرجوع إليه في كل حال من أحوالكم فإن مراتب التوبة كمراتب التقوى فكما أن أول مراتب التقوى هو الاجتناب عن المنهيات الشرعية وآخرها الاتقاء عن الأنائية والبقية فكذلك التوبة أولها الرجوع عن المعاصي وآخراه الرجوع عن ذنب الوجود الذي هو من أمّهات الكبائر عند أهل التحقيق { توبة نَصُوحاً } أي: توبة ترقع الخروق وترتق الفتوق وتصلح الفاسد وتسدّ الخلل، فإن خلل كل مقام وفساده ونقصانه لا ينسدّ ولا ينصلح ولا ينجبر إلا عند التوبة عنه بالترقي إلى ما هو فوقه فإذا تاب عنه بالترقي وبرز عن حجاب رؤية ذلك المقام انجبر نقصه وتمّ. وهو من النصح بمعنى الخياطة أو توبة خالصة عن شوب الميل إلى المقام الذي تاب عنه والنظر إليه بعدم الالتفات وقطع النظر عنه من النصوح بمعنى الخلوص { عسى ربكم أن يكفِّر عنكم سيئاتكم } من ذنوب المقام الذي تبتم إليه عنه وحجبه وآفاته والنظر إليه أو الاعتداد به والميل إليه ورؤيته أو التلوين الذي يحدث بعد الترقي عنه كالتلوين بظهور النفس في مقام القلب وبظهور القلب في مقام الروح وبظهور الأنائية في مقام الوحدة { ويُدْخلكم جنّات } مترتبة على مراتب التوبة { يوم لا يخزي الله النبيّ والذين آمنوا معه } بظهور الحجاب في مقام القرب { نورهم يسعى بين أيديهم } أي: الذي لهم بحسب النظر والكمال العلمي { وبأيمانهم } أي: الذي لهم بحسب العمل وكماله إذ النور العلمي من منبع الوحدة والعملي من جانب القلب الذي هو يمين النفس أو نور السابقين منهم يسعى بين أيديهم ونور الأبرار منهم يسعى بأيمانهم { يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا } أي: يعوذون به ويلوذون إلى جنابه من ظهور البقية، فإنها ظلمة في شهودهم فيطلبون إدامة النور بالفناء المحض، أو: أدم علينا هذا الكمال بوجودك ودوام إشراق سبحات وجهك. يقولون ذلك عن فرط الاشتياق مع الشهود كقوله:

ويبكي إن دنوا خوف الفراق

أو يقول بعضهم، وهم الذين لم يصلوا إلى الشهود الذاتي { واغفر لنا } ظهور البقايا بعد الفناء أو وجود الإثبات قبله.
{ جاهد الكفار والمنافقين } للمضادّة الحقيقية بينك وبينهم { واغلظ عليهم } لقوّتك بالله منبع القوى والقدر ومعدن القهر والعزّة، عسى أن تنكسر صلابتهم وتلين شكيمتهم وعريكتهم فتنقهر نفوسهم وتذلّ وتخضع فتنفعل عن النور القهري وتهتدي فتكون صورة القهر عين اللطف { ومأواهم جهنم وبئس المصير } ما دام هم هم، أي: ما داموا على صفتهم أو دائماً أبداً لزوال استعدادهم أو عدمه.