التفاسير

< >
عرض

تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ
٢
-الملك

تفسير القرآن

{ تبارك الذي بيده الملك } الملك عالم الأجسام كما أن الملكوت عالم النفوس، ولذلك وصف ذاته باعتبار تصريفه عالم الملك بحسب مشيئته بالتبارك الذي هو غاية العظمة ونهاية الازدياد في العلوّ والبركة، وباعتبار تسخيره عالم الملكوت بمقتضى إرادته بالتسبيح الذي هو التنزيه كقوله: { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } [يس، الآية:83] كلاًّ بما يناسبه، لأن العظمة والازدياد والبركة تناسب الأجسام، والتنزّه يناسب المجرّدات عن المادة. فمعنى تبارك: تعالى وتعاظم الذي يتصرّف في عالم الملك بيد قدرته، لا يتصرّف فيه غيره، فبيده كل ما وجد من الأجسام لا بيد غيره يصرّفها كما يشاء { وهو } القادر على كل ما عدم من الممكنات يوجدها على ما يشاء، فإن قرينة القدرة تخص الشيء بالممكن إذ تعلل القدرة به فيقال: إنه مقدوره لأنه ممكن.
{ الذي خلق الموت والحياة } الموت والحياة من باب العدم والملكة، فإن الحياة هي الإحساس والحركة الإرادية ولو اضطرارية كالتنفس والموت عدم ذلك عما من شأنه ان يكون له وعدم الملكة ليس عدماً محضاً بل فيه شائبة الوجود وإلا لم يعتبر فيه المحل القابل للأمر الوجودي فلذلك صح تعلق الخلق به كتعلقه بالحياة وجعل الغرض من خلقهما بلاء الإنسان في حسن العمل وقبحه، أي: العلم التابع للمعلوم الذي يترتب عليه الجزاء وهو العلم الذي يظهر على المظاهر الإنسانية بعد وقوع المعلوم، فإنه ليس إلا علم الله الكامن في الغيب الظاهر بظهور المعلوم لأن الحياة هي التي يتمكن بها على الأعمال والموت هو الداعي إلى حسن العمل الباعث عليه وبه يظهر آثار الأعمال كما أن الحياة يظهر بها أصولها وبهما تتفاضل النفوس في الدرجات وتتفاوت في الهلاك والنجاة. وقدّم الموت على الحياة لأن الموت في عالم الملك ذاتي والحياة عرضية.
{ وهو العِزِيز } الغالب الذي يقهر من أساء العمل { الغَفُور } الذي يستر بنور صفاته من أحسن.