التفاسير

< >
عرض

نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ
١
مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ
٢
وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ
٣
وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ
٤
-القلم

تفسير القرآن

{ ن } هو النفس الكليّة { والقلم } هو العقل الكلي والأول من باب الكناية بالاكتفاء من الكلمة بأول حروفها، والثاني من باب التشبيه إذ تنتقش في النفس صور الموجودات بتأثير العقل كما تنتقش الصور في اللوح بالقلم { وما يَسْطرون } من صور الأشياء وماهياتها وأحوالها المقدّرة على ما يقع عليها، وفاعل ما يسطرون الكتبة من العقول المتوسطة والأرواح القدّسة وإن كان الكاتب في الحقيقة هو الله تعالى، لكن لما كان في حضرة الأسماء نسب إليها مجازاً، أقسم بهما وبما يصدر عنهما من مبادىء الوجود وصور التقدير الإلهي ومبدأ أمره ومخزن غيبه لشرفهما وكونهما مشتملين على كل الوجود في أول مرتبة التأثير والتأثر ومناسبتهما للمقسم عليه.
{ ما أنت بنعمة ربّك بمجنون } أي: ما أنت بمستور العقل مختلّ الإدراك في حالة كونك منعماً عليك بنعمة الاطلاع على هذا المسطور بهما فإنه لا أعقل ممن اطلع على سرّ القدر وأحاط بحقائق الأشياء في نفس الأمر.
{ وإنّ لك لأجراً } من أنوار المشاهدات والمكاشفات من هذين العالمين { غير } مقطوع لكونه سرمدياً غير مادي فلا يتناهى وهم مادّيون محجوبون عنه، متضادّون إياك في الحال والوجة، فلهذا ينسبونك إلى الجنون لانحصار عقولهم وأفكارهم في المادّيات.
{ وإنك لعلى خلق عظيم } لكونك متخلقاً بأخلاق الله متأيداً بالتأييد القدسي فلا تتأثر بمفترياتهم ولا تتأذى بمؤذياتهم إذ بالله تصبر لا بنفسك كما قال:
{ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِٱللَّهِ } [النحل، الآية:127].