التفاسير

< >
عرض

ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
١٩
فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ
٢٠
وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ
٢١
فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ
٢٢
قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٢٣
-الأعراف

تفسير القرآن

{ ليبدي لهما ما وري عنهما من سوآتهما } أي: ليظهر عليهما بالميل إلى الطبيعة ما حجب عنهما عند التجرّد من الأمور الطبيعية واللذات البدنية والرذائل الخلقية والأفعال الحيوانية والصفات السبعية والبهيمية التي يستحيي الإنسان من إظهارها ويستهجن إفشاءها وتحمله المروءة على إخفائها لكونها عورات عند العقل يأنف منها ويستقبحها { وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين } أي: أوهمهما أن في الاتصال بالطبيعة الجسمانية والمادة الهيولانية لذات ملكية وإدراكات وأفعالاً وخلوداً فيها أو ملكاً ورياسة على القوى وسائر الحيوانات دائماً بغير زوال إن قرئ ملكين بكسر اللام كما قال: { { أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } [طه، الآية: 120]. وزيّن لها من المصالح الجزئية والزخارف الحسيّة التي لا تنال إلا بالآلات البدنية في صورة الناصح الأمين.
{ فدلاهما } أي: فنزلهما إلى التعلق بها والسكون إليها بما غرّهما من التزيي بزي الناصحين وإفادة توهم دوام اللذات البدنية والرياسة الإنسية وسوّل لهما من المنافع البدنية والشهوات النفسية { وطفَقَا يَخْصِفان عليهما من ورق الجنة } أي: يكتمان الغواشي الطبيعية بالآداب الحسنة والعادات الجميلة التي هي من تفاريع الآراء العقلية ومستنبطات القوّة العاقلة العملية ويخفيانها بالحيل العلمية { وناداهما ربّهما ألم أنْهَكُما } صورة النهي هو ما ركز في العقول من الميل إلى التجرّد وإدراك المعقولات والتجافي عن المواد والمحسوسات وقوله لهما: { إن الشيطان لكما عدوّ مبين } ما ألهم العقل من منافات أحكام الوهم ومضادّة مدركاته والوقوف على مخالفاته ومكابراته إياه ونداؤه إياهما بذلك هو التنبيه على ذلك المعنى على سبيل الخاطر والتذكير له بعد التعلق والانغمار في اللذات الطبيعية عند البلوغ وظهور أنواع العقل والفهم عليهما.
وقولهما: { ربنا ظلمنا أنفسنا } هو لتنبه النفس الناطقة على نقصانها من جهة الطبيعة وانطفاء نورها وانكسار قوتها وحصول الداعي فيها على طلب الكمال بالتجرّد { وإن لم تغفر لنا } بإلباسنا الأنوار الروحانية وإفاضتها مشرقة علينا { وترحمنا } بإفاضة المعارف الحقيقية { لنكوننّ من } الذين أتلفوا الاستعداد الأصلي الذي هو مادة السعادة والبقاء بصرفها في دار الفناء، وحرموا عن الكمال التجرّدي بملازمة النقص الطبيعي.