التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
١
قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ
٢
أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ
٣
يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
٤
قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً
٥
فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً
٦
وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً
٧
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً
٨
ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً
٩
فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً
١٠
يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً
١١
وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً
١٢
مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً
١٣
وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً
١٤
-نوح

تفسير القرآن

{ أن اعبدوا الله } بالمجاهدة والرياضة في سبيله { واتّقوه } بالتجرّد عما سواه حتى صفاتكم وذواتكم { وأطيعون } بالاستقامة { يغفر لكم } ذنوب آثار أفعالكم وصفاتكم وذواتكم { ويؤخركم إلى أجل } معين لا أجل بعده، وهو الفناء في التوحيد { إنّ أجل الله } الذي هو توفيه إياكم بذاته { إذا جاء لا يؤخر } بوجود غيره بل يفنى كل ما عداه { لو كنتم تعلمون } { قال ربّ إني دعوت قومي } في مقام الجمع بين الظلمة والنور إلى التوحيد { فلم يزدهم دعائي إلا فراراً } لأنهم كانوا بدنيين ظاهريين لا يرون النور إلا للضوء الجسماني ولا الوجود إلا للجواهر الجسمانية الغاسقة، فينفروا عن إثبات نور مجرد أنوارهم بالنسبة إليه ظلمات.
{ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم } وتسترهم بنورك تصاموا عنه لعدم فهمهم وقصور استعدادهم أو زواله { واستغشوا ثيابهم } وتستروا بأبدانهم والتحفوا بها لشدّة ميلهم إليها وتعلقهم بها واحتجابهم { وأصروا } على ذلك ولم يعزموا التجرّد { واستكبروا } لاستيلاء صفات نفوسهم واستعلاء غضبهم { ثم إني دعوتهم جهاراً } نزلت عن مقام التوحيد ودعوتهم إلى مقام العقل وعالم النور { ثم إني أعلنت لهم } بالمعقولات الظاهرة { وأسررت لهم } في مقام القلب بالأسرار الباطنة ليتوصلوا إليها بالمعقولات.
{ فقلت استغفروا ربّكم } أي: اطلبوا أن يستركم ربّكم بنوره فتتنوّر قلوبكم وتكاشفوا بالحقائق الإلهية والأسرار الغيبية { يرسل } سماء الروح { عليكم مدراراً } بأمطار المواهب والأحوال { ويمددكم بأموال } المكاسب والمقامات { وبنين } التأييدات القدسية من عالم الملكوت { ويجعل لكم جنّات } الصفات في مقام القلب وأنهار العلوم.
{ ما لكم لا ترجون لله وقاراً } أي: تعظيماً يوقركم بالترقي في الدرجات إلى عالم الأنوار { وقد خلقكم أطواراً } كل طور أشرف مما قبله وكان حالكم فيه أحسن وشرفكم أزيد مما تقدمكم، فما بالكم لا تقيسوا الغيب على الشهادة والمعقول على المحسوس والمستقبل على الماضي فترتقون إلى سماء الروح بسلم الشريعة والعلم والعمل كما ارتقيتم بسلم الطبيعة والحكمة والقدرة في أطوار الخلقة.