التفاسير

< >
عرض

بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ
٥
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ
٦
فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ
٧
وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ
٨
وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ
٩
يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ
١٠
كَلاَّ لاَ وَزَرَ
١١
إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ
١٢
يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ
١٣
بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ
١٤
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ
١٥
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ
١٦
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ
١٧
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ
١٨
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ
١٩
-القيامة

تفسير القرآن

{ بل يريد الإنسان } ليدوم على الفجور بالميل إلى اللذات البدنية والشهوات البهيمية غارزاً رأسه فيها فيما بين يديه من الزمان الحاضر والمستقبل، فيغفل عن القيامة لقصور نظره عنها كونه مقصوراً على اللذات العاجلة وفرط تهالكه عليها واحتجابه بها عن الآجلة سائلاً عنها متعنتاً مستبعداً إياها بقوله: { أيان يوم القيامة } { فإذا برق البصر } أي: تحير ودهش شاخصاً من فزع الموت { وخسف } قمر القلب لذهاب نور العقل عنه { وجمع } شمس الروح وقمر القلب بأن جعلا شيئاً واحداً طالعاً عن مغرب البدن لا يعتبر له رتبتان كما كان حال الحياة بل اتحدا روحاً واحداً { يقول الإنسان يومئذ أين المفرّ } أي: يطلب مهرباً ومحيصاً { كلا } ردع له عن طلب المفرّ { لا وزر } لا ملجأ { إلى ربّك يومئذ } خاصة مستقرّ من نار أو جنة مفوّض إليه لا إلى غيره ولا إلى اختياره أو إليه خاصة استقراره ورجوعه كقوله: { إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰ } [العلق، الآية:8].
{ يُنبأ الإنسان يومئذ بما قدّم } من عمله الذي يوجب نجاته وثوابه من الخيرات والصالحات { وأخر } ففرّط وقصر فيه ولم يعمله { بل الإنسان على نفسه بصيرة } حجة بينة يشهد بعمله لبقاء هيئات أعماله المكتوبة عليه في نفسه ورسوخها في ذاته وصيرورة صفاته صورة أعضائه، فلا حاجة إلى أن ينبأ من خارج { ولو ألقى معاذيره } أي: أرخى ستوره فاختفى بها عند ارتكاب تلك الأعمال. أو ولو ألقى أعذاره مجادلاً عن نفسه بكل معذرة.
{ ولا تحرّك به لسانك } أي: الإنسان عجول بالطبع كما قال:
{ خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ } [الأنبياء، الآية:37] فلذلك اختار العاجلة واحتجب بها عن الآجلة. ألا ترى أنك مع وفور سكينتك وكمال وقارك بالله تعجل عند إلقائنا الوحي إليك فتظهر نفسك لتتلقفه وهو ذنب حالك وحجاب وجودك، وهو معنى قوله: { بل تحبون العاجلة * وتذرون الآخرة } فلا تفعل ولا تحرّك لسانك به، فظهور نفسك واضطرابها عجلة به ولتكن قواك هادية ونفسك غائبة عن مورد الوحي وقلبك سالماً عن صفاتها خالصاً في التوجه آمناً عن حركة النفس.
{ إنّ علينا جمعه وقرآنه } إن علينا جمعه فيك وقرآنه أي: ليكن جمعه في مقام الوحدة وقراءتك إياه بنا فانياً عن ذاتك وفي عين الجمع حيث لم يكن لك وجود ولا بقية ولا عين ولا أثر { فإذا قرأناه } أوجدناه حال فنائك فينا { فاتّبع قرآنه } بالرجوع إلى مقام البقاء بعد اللفناء وظهور القلب والنفس فيّ، ثم عند كونك في مقام التفصيل { إنّ علينا بيانه } وإظهار معانيه في حيز قلبك ونفسك مفصلة مشروحة.