التفاسير

< >
عرض

إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً
٣
إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً
٤
إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً
٥
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً
٦
يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً
٧
وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً
٨
-الإنسان

تفسير القرآن

{ إنّا هديناه } سبيل الحق بأدلة العقل والسمع في حالتي كونه شاكراً مهتدياً مستعملاً لنعم المشاعر والآلات والوسايط فيما ينبغي أن يستعمل من الطاعات متوصلاً بها إلى المنعم { أو كفوراً } محتجباً بالنعم عن المنعم مستعملاً لها في غير ما يحب أن يستعمل من المعاصي { إنّا أعتدنا للكافرين } المحتجبين بالنعم { سلاسل } الميول والمحبات إلى المشتهيات الجسمانية الموجبة لتقيدهم بها والحرمان عن المقاصد الحقيقية في النيران وأغلال الصور والهيئات المانعة عن الحركة في طلب المراد وسعير التعذيب في قعر الطبيعة وقهر الحرمان.
{ إنّ الأبرار } أي: السعداء الذين برزوا عن حجاب الآثار والأفعال واحتجبوا بحجب الصفات غير واقفين معها بل متوجهين إلى عين الذات مع البقاء في عالم الصفات وهم المتوسطون في السلوك { يشربون من كأس } محبة حسن الصفات لا صرفاً بل كان في شرابهم مزج من لذة محبة الذات وهي العين الكافورية المفيدة للذة برد اليقين وبياض النورية وتفريح القلب المحترق بحرارة الشوق وتقويته، فإن للكافور خاصية التبريد والتفريح والبياض. والكافور عين { يشرب بها } صرفة { عباد الله } الذين هم خاصته من أهل الوحدة الذاتية المخصوص محبتهم بعين الذات دون الصفات، لا يفرقون بين القهر واللطف والرفق والعنف والبلاء والشدة والرخاء بل تستقر محبتهم مع الأضداد وتستمر لذاتهم في النعماء والسراء والرحمة والزحمة كما قال أحدهم:

هواي له فرض تعطف أم جفا ومشربه عذب تكدّر أم صفا
وكلت إلى المحبوب أمري كله فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا

وأما الأبرار فلما كانوا يحبون المنعم واللطيف والرحيم لم تبق محبتهم عند تجلي القهار والمبلي والمنتقم بحالها ولا لذتهم بل يكرهون ذلك { يفجرونها تفجيراً } لأنهم منابعها لا اثنينية ثمة ولا غيرية، وإلا لم يكن كافور الظلمة حجاب الأنائية والاثنينية وسواده.
{ يوفون بالنذر } أي:الأبرار يوفون العهد الذي كان بينهم وبين الله صبيحة يوم الأزل بأنهم إذا وجدوا التمكن بالآلات والأسباب أبرزوا ما في مكامن استعداداتهم وغيوب فطرتهم من الحقائق والمعارف والعلوم والفضائل وأخرجوها إلى الفعل بالتزكية والتصفية { ويخافون } يوم تجلي صفة القهر والسخط والانتقام لكونهم وصفيين { يوماً كان شرّه } فاشياً منتشراً بالغاً أقصى المبالغ باستيلاء الهيئات المظلمة والحجب الساترة للنور من صفات النفس على القلب وهو نهاية مبالغ الشرّ.
{ ويطعمون الطعام على حبّه } أي: يتجرّدون عن المنافع المالية ويزكون أنفسهم عن الرذائل خصوصاً عن الشحّ لكون محبة المال أكثف الحجب فيتصفون بفضيلة الإيثار ويطعمون الطعام في حالة احتياجهم إليه لسدّ خلّه جوع من يستحقه، ويؤثرون به غيرهم على أنفسهم كما هو المشهور من قصة علي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام في شأن نزول الآية من الإيثار بالفطور على المستحقين الثلاثة والصبر على الجوع والصوم ثلاثة أيام أو يزكون أنفسهم عن رذيلة الجهل فيطعمون الطعام الروحاني من الحكم والشرائع مع كونه محبوباً في نفسه على حبّ الله المسكين الدائم السكون إلى تراب البدن واليتيم المنقطع عن تربية أبيه الحقيقي الذي هو روح القدس والأسير المحبوس في أسر الطبيعة وقيود صفات النفس.