التفاسير

< >
عرض

هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ
١٥
إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى
١٦
ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ
١٧
فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ
١٨
وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ
١٩
فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ
٢٠
فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ
٢١
ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ
٢٢
فَحَشَرَ فَنَادَىٰ
٢٣
فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ
٢٤
فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ
٢٥
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ
٢٦
ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا
٢٧
رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا
٢٨
وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا
٢٩
وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا
٣٠
أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا
٣١
وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا
٣٢
مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ
٣٣
-النازعات

تفسير القرآن

{ إذ ناداه ربّه بالواد المقدس } الوادي المقدّس هو عالم الروح المجرّد لتقدّسه عن التعلق بالمواد واسمه { طوى } لانطواء الموجودات كلها من الأجسام والنفوس تحته وفي طيه وقهره وهو عالم الصفات ومقام المكالمة من تجلياتها، فلذلك ناداه بهذا الوادي. ونهاية هذا العالم هو الأفق الأعلى الذي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده جبريل على صورته { طغى } أي: ظهر بأنائيته، وذلك أن فرعون كان ذا نفس قوية حكيماً عالماً سلك وادي الأفعال وقطع بوادي الصفات واحتجب بأنائيته وانتحل صفات الربوبية ونسبها إلى نفسه وذلك تفرعنه وجبروته وطغيانه فكان ممن قال فيه صلى الله عليه وسلم: "شرّ الناس من قامت القيامة عليه وهو حيّ" لقيامه بنفسه وهواها في مقام توحيد الصفات وذلك من أقوى الحجب.
{ هل لك إلى أن تزكّى } بالفناء عن أنائيتك { وأهديك إلى } الوحدة الذاتية بالمعرفة الحقيقية { فتخشى } وتلين أنائيتك فتفنى.
{ فأراه الآية الكبرى } أي: الهوية الحقيقية بالتوحيد العلمي والهداية الحقانية فلم يرها لقوة حجابه ورسوخ توهمه فكذبه في أنّ وراء ما بلغ من المقام رتبة { وعصى } أمره لتفرعنه وعتوه { ثم أدبر } عن مقام توحيد الصفات الذي هو فيه لذنب حاله وتوجه إلى مقام النفس بالكلية لعناده واستيلاء نفسه وشدة ظهورها بالدعوى { يسعى } في دفع موسى بالمكايد الشيطانية والحيل النفسانية فردّ عن جناب القدس مطروداً وازداد حجابه فتظاهر بقوله: { أنا ربّكم الأعلى } أو نازع الحق لشدة ظهور أنائيته رداء الكبرياء فقهر وقذف في النار ملعوناً كما قال تعالى:
"العظمة أزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار" . ويروى: قصمته، وذلك القهر هو معنى قوله: { فأخذه الله نكال الآخرة والأولى * إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى } فيخشع وتلين نفسه وتنكسر فلا تظهر.