التفاسير

< >
عرض

وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَٱسْتَغْنَىٰ
٨
وَكَذَّبَ بِٱلْحُسْنَىٰ
٩
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ
١٠
وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ
١١
إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ
١٢
وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَٱلأُولَىٰ
١٣
فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّىٰ
١٤
لاَ يَصْلَٰهَآ إِلاَّ ٱلأَشْقَى
١٥
ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ
١٦
وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلأَتْقَى
١٧
ٱلَّذِى يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ
١٨
-الليل

تفسير القرآن

{ وأما من بخل واستغنى } آثر محبة المال وجمعه ومنعه واستغنى به عن كسب الفضيلة لاحتجابه به عن الحق { وكذّب بالحسنى } بوجود مرتبة الكمال والفضيلة لاستغنائه بالحياة الدنيا واحتجابه بها عن عالم النور والآخرة { فسنيسره للعسرى } فسنهيئه بالخذلان للطريقة العسرى التي هي الانحطاط عن رتبة الفطرة إلى قعر الطبيعة ودركات أسفل سافلين مأوى الحشرات والديدان والحيلولة بينه وبين شهواته بالحرمان.
{ وما يغني عنه ماله } الذي تعب في تحصيله وأفنى عمره في حظه { إذا تردّى } إذا وقع في قعر بئر جهنم وعمق الهاوية وهلك.
{ إنّ علينا للهدى } بالإرشاد إلينا بنور العقل والحسّ والجمع بين الأدلة العقلية والسمعية والتمكين على الاستدلال والاستبصار.
{ وإن لنا للآخرة والأولى } أي: نعطيهما من توجه إلينا فلا نحرم التارك المجرّد عن ثواب الدنيا مع ثواب الآخرة فإن من آثر الأشرف يكون الأخس تحت قدمه بالضرورة كقوله:
{ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } [المائدة، الآية:66].
{ فأنذرتكم ناراً تلظى } أي: ناراً عظيمة يبلغ لظاها جميع مراتب الوجود وهي النار الكبرى الشاملة للحجاب والقهر والسخط والتعذيب بالآثار، ولهذا قال: { لا يصلاها إلا الأشقى } العديم الاستعداد، الخبيث الجوهر، المشرك بالله في المواقف الأربعة.
{ الذي كذّب } بالله لشركه { وتولى } وأعرض عن الدين لعناده { وسيجنبها الأتقى } أي: يتحاماها ويبعد عنها في جميع مراتبها { الذي } اتقى ما عدا الله من ذاته وصفاته وأفعاله وكل شيء من الأغيار والآثار بالاستغراق في عين الجمع وهو الأتقى المطلق الذي لم يقف مع غير الله فيوقف على الله ويعذب ببعض النيران. وأما التقي فقد لا يجنب جميع مراتبها كالمتجرّد من الهيئات والأفعال، الواقف مع الصفات فإنه وإن كان مغفوراً ذنوبه فقد حرم عن روح الذات ولذة المقرّبين في حجاب وجوده.
{ الذي يؤتي ماله يتزكى } الذي يعطيه في حالة كونه متطهراً عن لوث محبة الأنداد وتعلق الأغيار والالتفات إلى ما سوى الله والاشتغال به مزكياً نفسه عن الشرك الخفي.