التفاسير

< >
عرض

مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ
٤
-الفاتحة

روح البيان في تفسير القرآن

{ مالك يوم الدين } اليوم فى العرف عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان وفى الشرع عما بين طلوع الفجر الثانى وغروب الشمس والمراد ههنا مطلق الوقت لعدم الشمس ثم اى مالك الامر كله فى يوم الجزاء فاضافة اليوم الى الدين لادنى ملابسة كاضافة سائر الظروف الى ما وقع فيها من الحوادث كيوم الاحزاب ويوم الفتح وتخصيصه اما لتعظيمه وتهويله او لبيان تفرده باجراء الامر فيه وانقطاع العلائق بين الملاك والاملاك حينئذ بالكلية ففى ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره واصل الملك والملك الربط والشد والقوة فلله فى الحقيقة القوة الكاملة والولاية النافذة والحكم الجارى والتصرف الماضى وهو للعباد مجاز اذلملكهم بداية ونهاية وعلى البعض لا الكل وعلى الجسم لا العرض وعلى النفس لا النفس وعلى الظاهر لا الباطن وعلى الحى لا الميت بخلاف المعبود الحق اذ ليس لملكه زوال ولا لملكه انتقال وقراءة مالك بالالف اكثر ثوابا من ملك لزيادة حرف فيه – يحكى – عن ابى عبد الله محمد بن شجاع الثلجىرحمه الله تعالى انه قال كان من عادتى قراءة مالك فسمعت من بعض الادباء ان ملك ابلغ فتركت عادتي وقرأت ملك فرأيت فى المنام قائلا يقول لم نقصت من حسناتك عشرا اما سمعت قول النبى صلى الله عليه وسلم "من قرأ القرآن كتب له بكل حرف عشر حسنات ومحيت عنه عشر سيآت ورفعت له عشر درجات" .
فانتهبت فلم اترك عادتى حتى رأيت ثانيا فى المنام انه قيل لى لم لا تترك هذه العادة اما سمعت قول النبي صلى الله عليه وسلم "اقرأوا القرآن فخما مفخما" .
اى عظيما معظما فاتيت قطربا وكان اماما فى اللغة فسألته ما بين المالك والملك فقال بينهما فرق كثير اما المالك فهو الذى ملك شيأ من الدنيا واما الملك فهو الذى يملك الملوك.
قال فى تفسير الارشاد قرأ أهل الحرمين المحترمين ملك من الملك الذي هو عبارة عن السلطان القاهر والاستيلاء الباهر والغلبة التامة والقدرة على التصرف الكلى فى امور العامة بالامر والنهى وهو الانسب بمقام الاضافة الى يوم الدين انتهى ولكل وجوه ترجيح ذكرت فى التفاسير فلتطالع ثمة. والوجه فى سرد الصفات الخمس كانه يقول خلقتك فانا إله ثم ربيتك بالنعم فانا رب ثم عصيت فسترت عليك فانا رحمن ثم تبت فغفرت فانا رحيم ثم لا بد من الجزاء فانا مالك يوم الدين.
وفي التأويلات النجمية الاشارة فى { مالك يوم الدين } ان الدين في الحقيقة الإسلام يدل عليه قوله تعالى
{ { إن الدين عند الله الإسلام } [آل عمران: 19].
والاسلام على نوعين اسلام بالظاهر واسلام بالباطن فاسلام الظاهر باقرار اللسان وعمل الاركان فهذا الاسلام جسدانى والجسدانى ظلمانى ويعبر عن الليل بالظلمة واما اسلام الباطن فبانشراح القلب والصدر بنور الله تعالى فهذا الاسلام الروحانى نورانى ويعبر عن اليوم بالنور فالاسلام الجسدانى يقتضى اسلام الجسد لاوامر الله ونواهيه والاسلام الروحانى يقتضى استسلام القلوب والروح لاحكام الازلى وقضائه وقدره فمن كان موقوفا عند الاسلام الجسدانى ولم يبلغ مرتبة الاسلام الروحانى وهو بعد فى سير ليلة الدين متردد ومتحير فيرى ملوكا وملاكا كثيرة كما كان حال الخليل عليه السلام فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ومن تنفس صح سعادته وطلعت شمس الاسلام الروحانى من وراء جبل نفسه من مشرق القلب فهو على نور من ربه واضح فى كشف يوم الدين فيكون ورد وقته اصبحنا واصبح الملك فيشاهد بعين اليقين بل يكاشف حق اليقين ان الملك لله ولا مالك الا مالك يوم الدين فاذا تجلى له النهار وكشف بالمالك جهارا يخاطبه وجاها ويناجيه شفاها
{ إياك نعبد وإياك نستعين } [الفاتحة: 5].
ومن لطائف مالك يوم الدين ان مخالفة الملك تأول الى خراب العالم وفناء الخلق فكيف مخالفة ملك الملوك كما قال الله تعالى فى سورة مريم
{ تكاد السموات يتفطرن منه } [مريم: 90].
والطاعة سبب لمصالح كما قال تعالى
{ نحن نرزقك والعاقبة للتقوى } [طه: 132] فعلى الرعية مطاوعة الملوك وعلى الملوك مطاوعة ملك الملوك لينتظم مصالح العالم.
ومن لطائفه ايضا ان مالك يوم الدين يبين ان كمال ملكه بعد له حيث قال
{ ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا } [الأنبياء: 47].
فالملك المجازى ان كان عادلا كان حقا فدرت الضروع ونمت الزروع وان كان جائرا كان باطلا فارتفع الخير – يحكى – ان انوشر وان انقطع في الصيد عن القوم فانتهى الى بستان فقال لصبى فيه اعطنى رمانة فاعطاه فاستخرج من حبها ماء كثيرا سكن به عطشه فاعجبه واضمر اخذا البستان من مالكه فسأله اخرى فكانت عفصة قليلة الماء فسأل الصبى عنه فقال لعل الملك عزم على الظلم فتاب قلبه وسأله اخرى فوجدها اطيب من الاولى فقال الصبى لعل الملك تاب فتنبه انوشروان وتاب بالكلية عن الظلم فبقى اسمه مخلدا بالعدل حتى روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه تفاخر فقال
"ولدت فى زمن الملك العادل" .
قال الفناري في تفسير الفاتحة بل لعله تفاخر بزمنه النوراني حتى ولد فيه مثله وذكر أنوشروان دليلا على نورانية زمانه حيث لا يتصور في الكافر المسلط احسن حالاً من العدل انتهى.قال السخاوي في المقاصد الحسنة حديث (ولدت في زمن الملك العادل) لا اصل له ولا صحة وان صح فاطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذى كان يدعى به لا الوصفية بالعدل والشهادة له بذلك او وصفه بذلك على اعتقاد المعتقدين فيه انه كان عادلا كما قال الله تعالى { فما أغنت عنهم آلهتهم } [هود: 101].
اى ما كان عندهم آلهة ولا يجوز ان يسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يحكم بغير حكم الله عادلاً انتهى كلام المقاصد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
"يجاء بالوالى يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه فصل الازال عن مكانه فان كان مطيعا لله فى عمله مضى فيه وان كان عاصيا لله انخرق به الجسر فيهوى فى جهنم مقدار خمسين عاما" كذا فى تذكرة الموتى للامام القرطبى قال السعدى قدس سره

مهازور مندى مكن برجهان كه بريك نمط مى نماندجهان
نماند ستمكار بد روز كار بماند برو لعنت بايدار