التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٢٥
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ والله } اسم للذات الاحدية جامع لجميع الاسماء والصفات ومن ثمه توسل به بعضهم الى دخول عالم الحقيقة. وقال رجل للشبلى قدس سره لم تقول الله ولا تقول لا اله الا الله فقال اخشى ان اوخذ فى وحشة الجحد { يدعو } الناس جميعا على لسان رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى السنة ورثته الكمل الذين اتبعوه قولا وفعلا وحالا من الدار التى اولها البكاء واوسطها العناء وآخرها الفناء { الى دار السلام } اى الى دار السلامة من كل مكروه وآفة وهى الجنة اولها العطاء واوسطها الرضاء وآخرها اللقاء -حكى- ان بعض ملوك الامم السالفة بنى مدينة وتأنق وتغالى فى حسنها وزينتها ثم صنع طعاما ودعا الناس اليه واجلس اناسا على ابوابها يسألون كل من خرج هل رأيتم عيبا فيقولون لا حتى جاء اناس فى آخر الناس عليهم اكسية فسألوهم هل رأيتم عيبا فقالوا عيبين اثنين فحبسوهم ودخلوا على الملك فاخبروه بما قالوا فقال ما كنت ارضى بعيب واحد فائتونى بهم فادخلوهم عليه فسألهم عن العيبين ما هما فقالوا تخرب ويموت صاحبها فقال أفتعلمون دارا لا تخرب ولا يموت صاحبها قالوا نعم فذكروا له الجنة ونعيمها وشوقوه اليها وذكروا النار وعذابها وخوفوه منها ودعوه الى عبادة الله تعالى فاجابهم الى ذلك وخرج من ملكه هاربا تائبا الى الله تعالى

والله يدعو آمده آزادئ زندانيان زندانيان غمكين شده كويى بزندان ميكشى
شاهان سفيهانرا همه دربند زنداد ميكشند توازجه اززندان شان سوى كلستان ميكثى

وفى الحديث "ما من يوم تطلع فيه الشمس الا وبجنبيها ملكان يناديان بحيث يسمع كل الخلق الا الثقلين ايها الناس هلموا الى ربكم والله يدعو الى دار السلام" والمقصود الى العمل المؤدى الى دخول الجنة. ولذا قال بعض المشايخ اوجب الله عليك وجود طاعته فى ظاهر الامر وما اوجب عليك بالحقيقة الا دخول جنته اذ الامر آيل اليها والاسباب عدمية وانما احتاجوا الى الدعوة والايجاب اذ ليس فى اكثرهم من المروءة ما يردهم اليه بلا علة بخلاف اهل المروءة والمحبة والوفاء فانه لو لم يكن وجوب لقاموا للحق بحق العبودية وراعوا ما يجب ان يراعى من حرمة الربوبية ويجوز ان يكون المعنى الى دار الله تعالى فان السلام اسم من اسمائه سبحانه والاضافة للتشريف كبيت الله ومعنى السلام فى حقه تعالى انه اسلم ذاته من العيب وصفاته من النقص وافعاله من الشر وفى حق العبد انه سلم من الغش والحقد والحسد وارادة الشر قلبه وسلم من الآثام والمحظورات جوارحه ولن يوصف بالسلام والاسلام الا من سلم المسلمون من لسانه ويده. او المعنى الى دار يسلم الله تعالى والملائكة على من يدخلها او يسلم بعضهم على بعضهم يقول الفقير دار السلام اشارة الى دار القلب السليم الذى سلم من التعلق بغير الله تعالى ومن دخلها كان آمنا من التكدر مطلقا بشيء من الامور المكروهة صورة وصارت النار عليه نورا وقد قيل جنة معجلة وهى جنة المعارف والعلوم وجنة مؤجلة وهى الموعودة فى دار القرار والجنة مطلقا دار السلامة لاولياء الله تعالى { ويهدى من يشاء } هدايته منهم { الى صراط مستقيم } موصل اليها وهو الاسلام والتزود بالتقوى عم بالدعوة لاظهار الحجة وخص بالهداية لاستغنائه عن الخلق وهذا العموم والخصوص فى سماع الدعوة وقبولها بالنسبة الى من كان له سمع كالعموم والخصوص فى رؤية المسك وشمعه بالاضافة الى من كان له بصر فرب رائى مزكوم ليس له الا الرؤية وكذا رب سامع ليس له من القبول شيء فمن تعلقت بهدايته ارادة الحق تعالى يسرت اسبابه وطوى له الطريق وحمل على الجادة فالداعى اولا وبالذات هو الله تعالى وثانيا وبالعرض هو الانبياء ومن اتبعهم على الحق اتباعا كاملا والمدعو هو الناس والمدعو اليه هو الجنة وكذا الهادى هو الله والمهدة بالهداية الخاصة هو الخواص والمهدى اليه هو الصراط المستقيم ومشيئته تعالى ارادته وهي صفة قديمة اتصفت بها ذاته تعالى كعلمه وقدرته وكلامه وسائر صفاته ويسمى متعلقها المراد المعبر عنه بالعناية فمن سأل بلسان الاستعداد كونه مظهرا للجلال امسك فى هذه النشأة عن اجابة الدعوة ومن سأل كونه مظهرا للجمال اسرع للاجابة والله تعالى يعطى كل شيء ما يستعده وهذه المشيئة والسؤال لا بد فى توفيقهما من قوة الحال: قال الحافظ

درين جمن نكتم سرزنش بخود رويى جنانكه برورشم مى دهند مى رويم

واعلم ان قبول الدعوة لا بد فيه من علامة وهى التزهد فى الدنيا والسلوك الى طريق الفردوس الاعلى والتوجه الى الحضرة العليا ألا ترى الى ابن ادهم خرج يوما يصطاد فاثار ثعلبا او ارنبا فبينما هو فى طلبه هتف به هاتف ألهذا خلقت ام بهذا امرت ثم هتف به من قربوس سرجه والله ما لهذا خلقت ولا بهذا امرت فنزل عن مركوبه وصادف راعيا لابيه فاخذ جبة الراعى وهى من صوف فرسه وما معه ثم دخل البادية وكان من شانه ما كان

در راه عشق وسوسه اهر من بسيست هش دار وكوش دل بييام سروش كن

والانتباه الصورى اى من المنام مثال للانتباه القلبى اى من الغفلة فالقاعدون فى مقامات طبائعهم ونفوسهم كمن بقى فى النوم ابدا واليه الاشارة بقوله تعالى { { فيمسك التى قضى عليها الموت } والسالكون هم المنتبهون من رقدة هذه الغفلة واليه الاشارة بقوله تعالى { ويرسل الاخرى الى اجل مسمى } وهو اللائح بالبال والله اعلم بحقيقة الحال. قال فى التأويلات النجمية { والله يدعو الى دار السلام } يدعو الله ازلا وابدا عباده الى دار السلام وهى العدم صورة ظاهرا وعلم الله وصفته معنى وحقيقة وانما سمى العدم والعلم دار السلام لان العدم كان دارا قد سلم المعدوم فيها من آفة الاثنينية والشركة مع الله فى الوجود وهى دار الوحدانية وايضا لان السلام هو الله تبارك وتعالى والعلم صفته القائمة بذاته فالله تعالى بفضله وكرمه يدعو عباده ازلا من العدم الى الوجود ومن العلم وهو الصفة الى الفعل وهو الخلق ويدعوهم ابدا من الوجود الى العدم ومن الفعل الى العلم يدعوهم الى الوجود بالنفخة وهى قوله تعالى { { ونفخت فيه من روحى } ويدعوهم من الوجود الى العدم والعلم بالجذبة وهى قوله تعالى { { ارجعى الى ربك } ولما دعى النبي صلى الله عليه وسلم بالجذبة الى علم الله الازلى الابدى قال "قد علمت ما كان وما سيكون" وذلك لانه صار عالما بعلم الله تعالى لا بعلم نفسه وهو سر قوله تعالى { { وعلمك ما لم تكن تعلم } وانما علمه حين قال { فاعلم انه لا اله الا الله } اى فاعلم بعلم الله الذى دعيت بالجذبة اليه ان لا اله فى الوجود الا الله فان العلم الآلهى محيط بالوجود كله قال تعالى { { قد احاط بكل شيء علما } فانت بعلمه محيط بالوجود كله فتعلم حقيقة ان ليس فى الوجود اله غير الله انتهى.
يقول الفقير المتلقف من فم حضرة الشيخ سلمه الله تعالى ان الانتباه الصورى اشارة الى يقظة القلب. ثم الحركة الى الوضوء اشارة الى التوبة والانابة. ثم التكبيرة الاولى اشارة الى التوجه الالهى فحاله من الانتباه الى هنا اشارة الى عبوره من عالم الملك وهو الناسوت والدخول فى عالم الملكوت ثم الانتقال الى الركوع اشارة الى عبوره من عالم الملكوت الى عالم الجبروت ثم الانتقال الى السجدة اشارة الىعبوره من عالم الجبروت والوصول الى عالم اللاهوت. وهو نقام الفناء الكلى وعند ذلك يحصل الصعود الى وطنه الاصلى العلوى فالانتقالات تصعد فى صورة التنزل ثم القيام من السجدة اشارة الى حالة البقاء فانه رجوع الى القهقري وفيه تنزل فى صورة التصعد والركوع مقام قاب قوسين وهو مقام الصفات اى الذات الواحدية والسجدة مقام او ادنى وهو مقام الذات الاحدية ومن هذا التفصيل عرفت ما في التأويلات من الصعود والهبوط مرة بالدعوة من العلم الى الوجود ومرة بالدعوة من الوجود الى العلم فاذا لم يقطع السالك عقبات لعروج والنزول فهو ناقص فى برزخ بالنسبة لى من قطعها كلها وتلك العقبات هى تعينات الاجسام والارواح والعلم والعين على حسب تفصيل المراتب فيها فانظر الى قوله تعالى
{ { لا يمسه الا المطهرون } تجد الاشارة الى ان الهوية الذاتية لا يمسها الاالمطهرون من دنس تعلق كل تعين روحانيا كان او جسمانيا والله المعين.
قال فى التأويلات { ويهدى من يشاء الى صراط مستقيم } فلما جعل الله دعوة الخلق من العلم الى الفعل ومن الوجود الى العدم ولعلم عامة جعل الهداية بالمشيئة الى العلم وهى الصراط المستقيم خاصة يعنى هو يهديهم بالجذبة الكاملة الى علمه القديم بمشيئته الازلية خاصة وهذا مقام السير فى الله بالله انتهى كلامه