التفاسير

< >
عرض

قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
٥٨
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل } يا محمد للناس { بفضل الله وبرحمته } عبارتان عن انزال القرآن والباء متعلقة بمحذوف واصل الكرم ليفرحوا بفضل الله وبرحمته وتكرير الباء فى رحمته للايذان باستقلالها فى استيجاب الفرح ثم قدم الجار والمجرور على الفعل لافادة القصر ثم ادخل عليه الفاء لافادة معنى السببية فصار بفضله وبرحمته فليفرحوا ثم قيل { فبذلك فليفرحوا } للتأكيد والتقرير ثم حذف الفعل الاول لدلالة الثانى عليه والفاء الاولى جزائية والثانية للدلالة على السببية والاصل ان فرحوا بشيء فبذلك ليفرحوا الا بشيء آخر ثم ادخل الفاء للدلالة على السببية ثم حذف الشرط واشير بذلك الى اثنين اما لاتحادهما بالذات او بالتأويل المشهور فى اسماء الاشارة { هو } اى ما ذكر من فضل الله ورحمته { خير مما يجمعون } من الاموال الفانية.
قال بعض الكبار فضل الله ايصال احسانه اليك ورحمته ما سبق منه من الهداية لم تك شيئا فكأن الله تعالى يقول عبدى لا تعتمد على طاعتك وخدمتك واعتمد على فضلى ورحمتى فان رأس المال ذلك [هركسى راسرمايه ايست وسرمايه مؤمنان فضل من وهركسى راخزانة ايست وخزانة مؤمنان رحمت من]
كر شاه را خزانه نهادن بود هوس.
درويش را خزانه همين لطف دوست بس ولو كان فى جمع حطام الدنيا منفعة لا تنفع قارون.
قال مالك بن دينار كنت فى سفينة مع جماعة فنبه العشار ان لا يخرج احد فخرجت فقال ما اخرجك فقلت ليس معى شيء فقال اذهب فقلت فى نفسى هكذا امر الآخرة فالعلائق قيد والتجرد حضور وراحة: قال الحافظ

غلام همت آنم كه زير جرخ كبودرجه رنك تعلق بذيرد آزادست

اشار بهذا البيت الى الحرية عن جميع ما سوى الله تعالى فان العالم جسما او روحا عينا او علما مما يقبل التعلق لكن لما كان الف الناس بالمحسوس اكثر خص ما تحت الفلك الارزق بالذكر.
اعلم ان الاتعاظ بالموعظة القرآنية يوصل العبد الى السعادة الباقية ويخلصه من الحظوظ النفسانية -حكى- ان ابراهيم بن ادهم سر ذات يوم بمملكته ونعمته ثم نام فرأى رجلا اعطاه كتابا فاذا فيه مكتوب لا تؤثر الفانى ولا تغتر بملكك فانت الذى انت فيه جسيم لولا انه عديم فسارع الى امر الله فانه يقول
{ { وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة } فانتبه فزعا قال هذا تنبيه من الله وموعظة فتاب الى الله واشتغل بالطاعة
ثم فى عبارة
{ { جاءتكم } اشارة الى ان حضرة القرآن تحفة من الله تعالى جسيمة وهدية منه عظيمة وصلت الينا فلم يبق الا القبول وقبوله الائتمار باوامره والانتهاء عن نواهيه.
قال بعض القراء قرأت القرآن على شيخ لى ثم رجعت لاقرأ ثانيا فانتهرنى وقال جهلت القراءة على عملا اذهب فاقرأ على غيرى فانظر ماذا يأمرك وينهاك وماذا يفهمك كذا فى الاحياء: ونعم ما قيل:

نقد عمرش زفكرت معوج خرج شد در رعايت مخرج
صرف كردش همه حيات سره در قراآت سبع وعشره

والمقصود من البيت انه يلزم بعد تحصيل قدر ما يتحصل به تصحيح الحروف ورعاية المخرج صرف باقى العمر الى الاهم وهو معرفة الله تعالى وهو متعلق القلب الذى هو اشرف من اللسان وسائر الاعضاء ومعرفة الله انما تحصل غالبا بالذكر ثم الفكر بانكشاف حقائق الاشياء وحقائق القرآن فكما ان الله تعالى ايد النبى عليه السلام بجبريل فكذا ايد الولى بالقرآن وهو جبريل وعلم الشريعة يبقى هنا لان متعلقه على الفناء وانما يذهب الى الآخرة ثوابه بحسب العمل بالخلوص. واما علم الحقيقة فيذهب الى الآخرة لانه على البقاء وهو ازلى ابدى لا زوال له فى كل موطن ومقام كما افاده لى حضرة شيخى وسندى قدس الله نفسه الزاكية ونفعنى واياكم بعلومه النافعة