التفاسير

< >
عرض

مَتَاعٌ فِي ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ ٱلْعَذَابَ ٱلشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
٧٠
-يونس

روح البيان في تفسير القرآن

{ متاع فى الدنيا } جواب سؤال كان قائلا قال كيف لا يفلحون وهم فى الدنيا بانواع ما يتلذذون به متمتعون فقيل ذلك متاع يسير فى الدنيا زائل لا بقاء له وليس بفوز بالمطلوب { ثم الينا مرجعهم } اى بالموت { ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون } فيبقون فى الشقاء المؤبد بسبب كفرهم المستمر فى الدنيا فاين هم من الفلاح.
قال فى التأويلات النجمية فى الدنيا ما ذاقوا الم العذاب لانهم كانوا نياما والنائم لا يجد الم شيء من الجراحات والناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا

مردمان غافلند از عقبى همه كويى بخفتكان مانند
ضرر غفلتى كه مى وزرند جون بميرد آنكهى دانند

وفى الآيات نهى عن الشرك والذب وفى الحديث "ألا اخبركم بشيء امر به نوح عليه السلام ابنه فقال يا بنى آمرك بامرين وانهاك عن امرين آمرك ان تقول لا اله الا الله وحده لا شريك له فان السماء والارض لو جعلتا فى كفة ولا اله الا الله فى كفة لرجح لا اله الا الله وآمرك ان تقول سبحان الله وبحمده فانها صلاة الملائكة ودعاء الخلق وبها يرزق الخلق وانهاك ان لا تشرك بالله شيئا فان من اشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وانهاك عن الكبر فان احدا لا يدخل الجنة وفى قلبه مثقال حبة من خردل اى ان الله اذا اراد ان يدخله الجنة نزع ما فى قلبه من الكبر حتى يدخلها بلا كبر او لا يدخلها دون مجازاة ان جازاه او لا يدخلها مع المتقين اول وهلة.
يقول الفقير الظاهر انه زجر بطريق التشديد وليس المراد كبر لكفر لانه جاء فى مقابلته. والحاصل ان الكبر وهو الارتفاع على الناس واحتقارهم من الكبائر التى تقرب من الكفر فى الجزاء ومثله ترك الصلاة كما جاء (من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر) وفى الحديث
"بر الوالدين يزيد فى العمر والكذب ينقص الرزق والدعاء يرد القضاء" رواه الاصبهانى. اما الاول فوارد على طريق الفرض وحث على البر بطريق المبالغة بان له من الاثر فى الخير ما لو امكن ان يبسط فى عمر البار لكان ذلك ويجوز فرض المحال اذا تعلق بذلك حكمة قال تعالى { قل ان كان للرحمن ولد } }. واما الثانى فمعناه ان الكذب يمحق بركة الكذاب فيكون فى حكم الناقص ويجوز على فرض المحال اى لو كان شيء ينقص الرزق لكان هو الكذب واما الثالث فالمراد ان الدعاء يرد القضاء المعلق الذى توقف رده على اسباب وشروط لا القضاء المبرم الذى لا يقبل التغير اصلا.
فعلى العاقل ان يجتهد فى تحصيل التوحيد الحقانى برعاية الاوامر الشرعية والانتهاء عما نهى الله تعالى عنه من المحرمات القولية والفعلية والاجتناب عن المشاغل القلبية والاحتراز عن الميل الى ما سوى الحضرة الاحدية فان الرجوع الى تلك الحضرة لا الى غيرها والتوحيد تحفة مقبولة ولا يقبل الله احدا الا به والشرك سبب لعذابه كما قال تعالى { ثم نذيقهم العذاب الشديد } وفيه اشارة الى ان عذاب الدنيا بالنسبة الى عذاب الآخرة كلا عذاب اذ كلما انتقل المرء من طور الى طور وجد الامر على الشدة وهو كذلك مبدأ ومعادا الا من تداركه الله تعالى بعنايته وخصه بتوفيق من حضرته