التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَصْرِ
١
-العصر

روح البيان في تفسير القرآن

{ والعصر } اقسم سبحانه بصلاة العصر فانه كثيرا ما يطلق العصر ويراد صلاته وذلك لفضلها الباهر لكونها وسطى لتوسطها بين الشفع الذى هو صلاة الظهر وبين الوتر النهارى الذى هو صلاة المغرب فانها لما توسطت بين الطرفين اتصفت بالوصفين وظهرت بالحكمين وتحققت بالكمالين كما هو حكم البرازخ فحصل لها من القدر ما لم يكن لكل واحد من الطرفين وايضا ان اوقات اوآئل الصلوات الاربع محدودة الا العصر يعنى أن اول صلاة العصر غير محدود بالحد المحقق ففيه سر التنزيه عن التقييد بالحدود ولذا شرع التكبير فى الصلاة لأن الله تعالى منزه عن التقييد باوضاع الصلاة وحركات المصلى قال بعض الكبار صلاة العصر بركعاتها الاربع اشارة الى التعينات الاربعة الذاتية والاسمائية والصفاتية والافعالية فى مرتبة الجمال الكونى بالفعل كا ان الظهر اشارة اليها فى مرتبة الجمال الالهى ولا شك أن الانسان كون جامع ففى العصر اشارة اليه وفى الحديث "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله" اى نقص اى ليكن من فوتها حذرا كما يحذر من ذهاب اهله وماله وسر الوعيد أن التكليف فى ادآء صلاة العصر اشق لتهافت الناس فى تجارتهم ومكاسبهم واشتغالهم بمعايشهم آخر النهار لبرد الهوآء حينئذ لا سيما فى ارض الحجاز فالكسب الحاصل فى ذلك الوقت مع السهو عن الصلاة فى حكم الخسران وسبب للخذلان (حكى) أن امرأة كانت تصيح فى سكك المدينة وتقول دلونى على النبى عليه السلام فرآها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها "ماذا حدث" قالت يا رسول الله ان زوجى غاب عنى فزنيت فجاءنى ولد من الزنى فألقيت الولد فى دن من الخل حتى مات ثم بعنا ذلك الخل فهل لى من توبة فقال عليه السلام "اما الزنى فعليك الرجم بسببه واما القتل فجزاؤه جهنم واما بيع الخل فقد ارتكبت به كبيرة لكن ظننت انك تركت صلاة العصر" ويقال ان الله تعالى اقسم بوقت العصر نفسه كما اقسم بالفجر فقد خلق فيه اصل البشر آدم عليه السلام فكان له شرف زآئد على غيره ويقال اقسم بالعشى الذى هو ما بين الزوال والغروب كما اقسم بالضحى لما فيها جميعا من دلائل القدرة ويقال اقسم بعصر النبوة الذى مقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت العصر من النهار وهو زمان بعثته الى انقراض امته فى آخر الزمان وهو ألف سنة كما قال عليه السلام "ان استقامت امتى فلها يوم وان لم تستقم فلها نصف يوم" وفضل هذا العصر على سائر الاعصار ظاهر لأنه عصر خير الانبياء والمرسلين وعصر خير الامم وخير الكتب الاهلية وفيه ظهر تمام الكمالات تفصيلا ويقال اقسم بالدهر لانطوآئه على اعاجيب الامور القارةوالمارة وللتعريض بنفى ما يضاف اليه من الخسران فان الانسان يضيف المكاره والنوائب اليه ويحيل شقاوته وخسرانه عليه والاقسام بالشئ اعظام له وما يضاف اليه الخسران لا يعظم عادة وقد قال عليه السلام "لا تسبوا الدهر فان الله هو الدهر" فاقسم الله بالدهر لأنه بالنسبة الى الفهم العام محل شهود الآيات الالهية كالليل والنهار والشمس والقمر والنجوم وغيرها وبالسنبة الى الفهم الخاص مظهر التجليات الالهية لظهوره تعالى بصفاته وافعاله فى مظهره فلما كان العصر جامعا لجميع الآيات التى اقسم الله بها فى القرءآن كقوله تعالى { والفجر وليال عشر } وقوله تعالى { والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها } وقوله تعالى { والليل اذا يغشى والنهار اذا تجلى } وقوله تعالى { والضحى والليل اذا سجا } ختم الله بقسم العصر اقسام جميع القسم وفى التأويلات النجمية اقسم الله بكمال دوام الزمان واستمراره لاشتماله على ولاية النبى عليه السلام ونبوته ورسالته وخلافته لقوله "كنت نبيا وآدم بين الماء والطين" اى بين ماء العلم وطين المعلوم ولقوله "نحن الآخرون السابقون" ولقوله حكاية عن الله سبحانه "لولاك لما خلقت الافلاك" ولقوله "انا من الله والمؤمنون منى" ويقوى هذه الاحاديث قوله تعالى { وما ارسلناك الا رحمة للعالمين } اى من عالمى زمانه وما كان بعده وما كان قبله لأن العالمين جمع محلى بالالف واللام فيدل على العموم والشمول كما فى قوله تعالى { { الحمد لله رب العالمين } }.