التفاسير

< >
عرض

لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ
١
-قريش

روح البيان في تفسير القرآن

{ لايلاف قريش } متعلق بقوله تعالى فليعبدوا وهو قول الزجاج والفاء لما فى الكلام من معنى الشرط اذ المعنى ان نعم الله عليهم غير محصورة فان لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجلية فالايلاف تعدية الألف مصدر من المبنى للمفعول مضاف الى مفعوله الاول مطلقا عن المفعول الثانى الذى هو الرحلة كما قيد به فى الايلاف الثانى يقال الفت الشئ بالقصر وآلفته بالمد بمعنى لزمته ودمت عليه وما تركته فيكون كل من الألف والايلاف لازما ويقال ايضا آلفته غيرى بالمد اى الزمته اياه وجعلته يألفه فيكون متعديا قال فى تاج المصادر الايلاف الف دادن والف كرفتن. وضد الايلاف والايناس هو الايحاش وقيل متعلق بما قبله من قوله فجعلهم كعصف مأكول ويؤيده انهما فى مصحف ابى رضى الله عنه سورة واحدة بلا فصل فيكون الايلاف بمعنى الالف اللازم فالمعنىاهلك الله من قصدهم من الحبشة لان يألفوا هاتين الرحلتين ويجمعوا بينهما ويلزموا اياهما ويثبتوا عليهما متصلالا منقطعا بحيث اذ فرغوا من ذه اخذوا فى ذه وبالعكس وذلك لان الناس اذا تسامعوابذلك الاهلاك تهيبوا لهم زيادة تهيب واحترموهم فضل احترام فلا يجترئ عليهم احد فينتظم لهم الا من فى رحلتيهم وكان لقريش رحلتان يرحلون فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشأم فيمتارون ويتجرون وكانوا فى رحلتيهم آمنين لانهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز فلا يتعرض لهم والناس بين متخطف ومنهوب وذلك ان قريشا اذا اصاب واحدا منهم مخمصة خرج هو وعياله الى موضع وضربوا على انفسهم خباء حتى يموتوا وكانواعلى ذلك الى ان جاء هاشم بن عبد مناف وكان سيد قومه فقام خطيبا فى قريش فقال انكم احدثتم حدثا تقلون فيه وتذلون وانتم أهل حرم الله واشرف ولد آدم والناس لكم تبع قالوا نحن تبع لك فليس عليك منا خلاف فجمع كل بنى اب على الرحلتين فى الشتاء الى اليمن وفى الصيف الى الشأم لان بلاد اليمن حامية حارة وبلاد الشام مرتفعة باردة ليتجروا فيما بدا لهم من التجارات فما ربح الغنى قسم بينه وبين فقرآئهم حتى كان فقيرهم كغنيهم فجاء الاسلام وهم على ذلك فلم يكن فى العرب بنوا اب اكثر مالا ولا اعز من قريش وكان هاشم اول من حمل السمراء من الشام وقريش ولد النضر بن كنانة ومن لم يلده فليس بقرشى سموا بتصغير القرش وهو دابة عظيمة فى البحر تعبث بالسفن وتقلبها وتضربها فتكسرها ولا تطاق الا بالنار فشبهوا بها لانها تأكل ولا تؤكل وتعلوا ولا تعلى والتصغير للتعظيم فكانه قيل قريش عظيم وقال بعضهم الا وجه ان التصغير على حقيقته لانه اذا كان القرش دابة عظيمة والقرش مع صغر حجمه جعل قرشا فهو لا محالة قريش وفيه ان جعل قريش قريشا لم يكن لمناسبة الحجم بل كان لوصف الآكلية وعدم المأكولية ووصف الغلبة وعدم المغلوبية وهذان الوصفان يوجد ان فى تلك الدابة على وجه الكمال فلا معنى للتصغير الا التعظيم قال الزمخشرى سمعت بعض التجار بمكة ونحن قعود عند باب بنى شيبة يصف لى القرش فقال هو مدور الخلقة كما بين مقامنا هذا الى الكعبة ومن شأنه ان يتعرض للسفن الكبار فلا يرده شئ الا ان يأخذ اهلها المشاعل فيمر على وجهه كالبرق وكل شئ عنده قليل الى النار وبه سميت قريش قال الشاعر

وقريش هى التى تسكن البحر بها سميت قريش قريشاتأكل الغث والسمين ولا تترك فيه لذى جناحين ريشا
هكذا فى البلاد حتى قريش يأكلون البلاد اكلا كميشا
ولهم آخر الزمان نبى يكثر القتل فيهموا والخموشا

الخنوش الخدوش واكلا كميشا اى سريعا وفى القاموس قرشه يقرشه ويقرشه قطعه وجمع من ههنا وههنا وضم بعضه الى بعض ومنه قريش لتجمعهم الى الحرم او لانهم كانوا يتقرشون البيعات فيشترونها او لان النضر ابن كنانة اجتمع فى ثوبه يوما فقالوا تقرش او لانه جاء الى قومه فقالوا كأنه جمل قريش اى شديد او لان قصيا كان يقال له القريشى او لانهم كانوا يفتشون الحاج فيسدون خلتها او سميت بمصغر القرش وهو دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها او سميت بقريش بن يخلد بن غالب بن فهر وكان صاحب عيرهم فكانوا يقولون قدمت عير قريش وخرجت عير قريش والنسبة قرشى وقريشى انتهى.