التفاسير

< >
عرض

فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ
٣
ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ
٤
-قريش

روح البيان في تفسير القرآن

{ فليعبدوا رب هذا البيت الذى اطعمهم } بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منها بواسطة كونهم من جيرانه وسكان حرمه وقيل بدعوة ابرهيم عليه السلام يجبى اليه ثمرات كل شئ { من جوع } شديد كانوا فيه قبلهما وكان الجوع يصيبهم الى ان جمعهم عمرو العلى وهو هاشم المذكور على الرحلتين قالو ابو حيان من ههنا للتعليل اى لاجل الجوع وقال سعدى المفتى الجوع لا يجامع الاطعام والظاهر انها للبدلية.
يقول الفقير الظاهر ان مآل المعنى نجاهم من الجوع بسبب الاطعام والترزيق { وآمنهم من خوف } عظيم لا يقادر قدره وهو خوف اصحاب الفيل او خوف التخطف فى بلدهم ومسايرهم وقال صاحب الكشاف الفرق بين عن ومن ان عن يقتضى حصول جوع قدر زال بالاطعام ومن يقتضى المنع من لحاق الجوع والمعنى اطعمهم فلم يلحقهم جوع وآمنهم فلم يلحقهم خوف فيكون من لابتدآء الغاية والمعنى اطعمهم فى بدء جوعهم قبل لحاقه اياهم وآمنهم فى بدء خوفهم قبل اللحاق ومن بدع التفاسير وآمنهم من خوف من ان تكون الخلافة فى غيرهم كما فى الكاشف وعن ام هانئ بنت ابى طالب رضى الله عنها قالت ان رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل قريشا اى ذكر تفضيلهم بسبع خصال لم يعطها احد قبلهم ولا يعطاها احد بعدهم النبوة فيهم والخلافة فيهم والحجابة للبيت فيهم والسقاية فيهم ونصروا على الفيل اى على اصحابه وعبدوا الله سبع سنين وفى لفظ عشر سنين لم يعبده احد غيرهم ونزلت فيهم سورة من القرءآن لم يذكر فيها احد غيرهم لايلاف قريش وتسمة لايلاف قريش سورة يرد ما قيل ان سورة الفيل ولايلاف قريش سورة واحدة فلينظر ما معنى عبادتهم لله دون غيرهم فى تلك المدة.
يقول الفقير اشار بقريش الى النفس المشركة وقواها الظالمة الخاطئة الساكنة فى البلد الانسانى الذى هو مكة الوجود وبالشتاء الى القهر والجلال وبالصيف الى اللطف والجمال واغنى بالقهر والجلال العجز والضعف لان المقهور عاجز ضعيف وباللطف والجمال القدرة والقوة لان الملطوف به صاحب التمكين فاما عجز النفس وضعفها فعند عدم مساعدة هواها واما قوتها وقدرتها فعند وجود المساعدة فهى وصفاتها ترتحل عند العجز والضعف الى يمن المعقولات لانها فى جانب يمين القلب وعند القوة والقدرة ترتحل الى شأم المحسوسات لانها فى جانب شمال القلب الذى يلى الصدر فهى تتقلب بين نعم المعقولات ونعم المحسوسات ولا تشكرها بأن تقر بوحدة الوجود ورسالة رسول القلب كالفلاسفة المتوغلة فى المعقولات والفراعنة المنهمكة فى المحسوسات ولذا قال تعالى فليعبدوا رب هذا البيت الى بيت القلب الذى هو الكعبة الحقيقية لانها مطاف الواردات والالهامات ومن ضرورة العبادة له الاقرار برسالة رسول الهدى الذى هو القلب فالبيت معظم مشرف مطلقا لاضافة الرب اليه فما ظنك بعظمة الرب وجلاله وهيبته ورب القلب هو الاسم لجامع المحيط بجميع الاسماء والصفات وهو الاسم الاعظم الذى نيط به جميع التاثيرات العقلية والروحانية والعلمية والغيبية امروا بأن يكونوا تحت هذا الاسم لا تحت الاسماء الجزئية ليتخلصوا من الشرك ويتحققوا بسر وحدة الوجود فان الاسماء الجزئية تعطى التقييد والاسم الكلى يعطى الاطلاق ومن ثمة بعث النبى عليه السلام فى ام البلاد اشارة الى كليته وجمعيته وهذا الرب الجليل المفيض المعطى ازال عنهم جوع العلوم والفيوض واطعمهم بها وآمنهم من خوف الهلاك من الجوع لان نفس الجاهل كالميت ولا شك ان الاحياء يخافون من الموت هكذا ورد بطريق الالهام من الله العلام.