التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ كُـلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ
١١١
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ وان كلا } التنوين عوض عن المضاف اليه اى وان كل المختلفين فيه المؤمنين منهم والكافرين { لما يوفينهم ربك اعمالهم } اللام الاولى موطئة للقسم والثانية جواب للقسم المحذوف ولما بتشديد الميم اصله لمن بكسر الميم على انها من الجارة دخلت على ما الموصولة او الموصوفة فلما اجتمعت النون ساكنة مع ميم ما وجب ادغامها فقلبت ميما فاجتمع فى اللفظ ثلاث ميمات فحذفت احداهن اولاهن كانت المحذوفة ام وسطاهن على اختلاف الاقوال. والمعنى ان جميعهم لمن الذى او لمن خلق او لمن فريق والله ليوفينهم ربك اعمالهم من الايمان وسائر الحسنات والكفر وسائر السيآت اى ليعطينهم ويؤدينهم جزاء اعمالهم خيرا او شرا تاما وافيا كاملا { انه } اى الله تعالى { بما يعملون } اى بما يعمله كل فرد من المختلفين من الخير والشر { خبير } بحيث لا يخفى عليه شيء من جلائله ودقائقه فيجازى كلا بحسب عمله وتوفية جزاء الطاعات وعد عظيم وتوفية جزاء المعاصى وعيد عظيم.
فعلى العاقل ان ينتبه من الغفلة ويجانب ما يخالف امر الله تعالى فان الله تعالى لا يفوته منه شيء

بهمه كار بنده دانا اوست بمكافات او توانا اوست

واعلم ان الكلمة الالهية الازلية سبقت بسعادة اهل الايمان وشقاوة اهل الكفر فهم فى قبضتى الكفر والقهر وامهالهم وتأخيرهم انما هو لاستكمال السعادة والشقاوة لنفوسهم ولغيرهم فكتاب الله تعالى هو محك النفوس فمن آمن به وعمل باحكامه فقد كملت سعادته ومن كفر به وترك العمل باحكامه فقد كملت شقاوته وكل واحد من الفريق الاول اهل يقين ونجاة وكل واحد من الفريق الثانى اهل شك وهلاك وعادة الله تعالى جارية على تسليط اهل الانكار على اهل الاقرار لاستخراج ما فى معادن نفوسهم من جواهر اوصافه الشريفة كالصبر على الاذى والتحمل على البلاء والحلم على السفهاء والعفو عن الجهلاء والصفح عمن ليس له حياء لكى يتخلقوا باخلاق الله تعالى ويظهر بها صدق عبوديتهم وتفاوت درجاتهم فان المراتب ليست بالدعاوى والامانى بل بالحقائق والمعانى: قال المولى الجامى

بى رنج كسى جون نبردره بسر كنج آن به كه بكوشم بتمنا ننشينم

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس سره مبانى طريق الصوفية على اربعة اشياء وهى اجتهاد وسلوك وسير وطير فالاجتهاد التحقق بحقائق الايمان والسير التحقق بحقائق الاحسان والطير الجذبة بطريق الجود والاحسان الى معرفة الملك المنان فمنزلة الاجتهاد من السلوك منزلة الاستنجاء من الوضوء فمن لا استنجاء له لا وضوء له فكذا من لا اجتهاد له لا سلوك له ومنزلة السلوك من السير منزلة الوضوء من الصلاة فمن لا وضوء له لا صلاة له فكذا من لا سلوك له لا سير له وبعده الطير وهو الوصول وادنى الانتساب فى هذا الباب محبة اهل الاجتهاد وتصديق الواصلين الى سر المبدأ والمعاد ورعاية جانب المتحققين بحقائق القرآن دون العداوة والبغض والشنآن وفى الحديث القدسى "من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب" اى اعلمته انى محارب له حيث كان محاربا لى بمعاداة اوليائى فاذا كان معادى الولىّ ورافض علومه محاربا لله تعالى فما ظنك بمعادى النبى وتارك كتابه ولا يفلح احد ممن حارب الله تعالى ورسوله ووارث رسوله فان الله تعالى ذو البطش الشديد فاذا اخذه لم يفلته نسأل الله العافية والوفاء والصفاء ونعوذ به من الخذلان واهل الجفاء