التفاسير

< >
عرض

فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١٢
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ فاستقم كما امرت } يقول الفقير اى اذا تبين عندك يا محمد احوال القرون الاولى وان اخوانك الانبياء ومؤمنيهم تحملوا من قومهم الاذى من قومهم الاذى وصبروا واستقاموا على طريقتهم المثلى الى ان يأتى امر الله تعالى فدم انت ايضا على الاستقامة على التوحيد والدعوة اليه كما امر الله تعالى { ومن تاب معك } معطوف على المستكن فى فاستقم من غير تأكيد بالمنفصل لوجود الفاصل القائم مقامه اى ومن تاب من الشرك والكفر وشاركك فى الايمان هو المعنى بالمعية والا فليس لهم مصاحبة له فى التوبة عما ذكر اذ الانبياء معصومون عن الكفر وكذا فى تعمد الكبائر قبل الوحى وبعده بالاجماع لكن الظاهر ان الاشتراك فى نفس التوبة يكفى فى الاصطحاب ولا يلزم الاشتراك فى المتوب عنه وقد كان عليه السلام يستغفر الله كل يوم اكثر من سبعين مرة على ما ورد فى الحديث كذا فى حواشى سعدى المفتى.
يقول الفقير لعل التوبة فى مثل هذا المقام هر الرجوع عن الحالة الاولى ومفارقتها سواء صدر فيها الكفر كسجود الصنم وغيره وهو حال اكثر المؤمنين او لم يصدر وهو حال الاقلين ومنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صح انه عليه السلام شهد بان عليا رضى الله عنه لم يكفر بالله قط طرفة عين مع قوله له فى دعوة الاسلام (وادعوك الى الكفر باللات والعزى) فان هذا القول لا يقتضى كفره رضى الله عنه اذ قد يدعى الرجل الى كفر ما لم يتصف به اذا كان من شأنه الكفر به والانكار عليه { ولا تطغوا } اى ولا تنحرفوا عما حد لكم بافراط وتفريط فان كلا طرفى قصد الامور ذميم. وانما سمى ذلك طغيانا وهو تجاوز الحد تغليظا او تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله. وفى سورة شورى
{ { واستقم كما امرت ولا تتبع اهواءهم } والنهيان متقاربان اذا المراد عدم الاتباع لاهواء اهل الكفر لان فى الاتباع الطغيان وفى عدمه الاستقامة المحضة { انه } اى الله تعالى { بما تعملون بصير } عالم لا يخفى عليه شيء فيجازيكم على ذلك فاتقوه فى المحافظة على حدوده وهو فى معنى التعليل للامر والنهى.
وعن بعض الصلحاء وهو ابو على السنوسى رضى الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النوم فقلت له روى عنك انك قلت
"شيبتنى سورة هود" فقال نعم فقلت فما الذى شيبك منها أقصص الانبياء وهلاك الامم قال لا ولكن قوله فاستقم كما امرت وذلك لان حقيقة الاستقامة هى الوفاء بالعهود كلها وملازمة الصراط المستقيم برعاية حد التوسط فى كل الامور من الطعام والشراب واللباس فى كل امر دينى ودنيوى ترغيب او ترهيب او حال او حكم او صفة او معاملة وذلك هو الصراط المستقيم كالصراط المستقيم فى الآخرة والتمشى على هذا الصراط الذى يقال لها الاستقامة الاعتدالية عسير جدا كما قال فى بحر العلوم الاستقامة على جميع حدود الله على الوجه الذى امر الله بالاستقامة عليه مما يكاد يخرج عن طوق البشر ولذلك قال عليه السلام "شيبتنى سورة هود" ولن يطيق مثل ههذ المخاطبة بالاستقامة الا من ايد بالمشاهدات القوية والآثار الصادقة ثم بالتثبت كما قال { { لولا أن ثبتناك } ثم حفظ وقت المشاهدة ومشافهة الخطاب ولولا هذه المقدمات لتفسخ دون هذا الخطاب ألا تراه كيف قال للامة "استقيموا ولن تحصوا" اى لن تطيقوا الاستقامة التى امرت بها.
قيل لمحمد بن فضل حاجة العارفين الى ماذا قال حاجتهم الى الخصلة التى كملت بها المحاسن كلها ألا وهى الاستقامة فكل من كان اتم معرفة كان اتم استقامة.
قال ابن عطاء فاستقم اى افتقر الى الله مع تبريك من الحول والقوة.
وفى التفسيرالفارسى للامام القشيرى [فرمودكه مستقيم آنكس است كه از راه حق بازنكردد تابسر منزل وصال برسد. وشيخ ابو على دقاق كفته استقامت آنست كه سرخودرا از ما سوى محفوظ دارى. وخواجه بخارى درصفت اهل استقامت فرموده]

كسى را دانم اهل استقامت كه باشد برسر كوى ملامت
ز اوصاف طبيعت باك برده باطلاق هويت جان سبرده
تمام از كردتن دامن فشانده برفته سايه وخوشيد مانده

وقال ابو على الجرجانى كن طالب الاستقامة لا طالب الكرامة فان نفسك متحركة فى طلب الكرامة ويطلب منك الاستقامة فالكرامة الكبرى الاستقامة فى خدمة الخالق باظهار الخوارق.
قال حضرة الشيخ الشهير بالهدائى قدس سره فى نفائس المجالس لا تتيسر الاستقامة الا بايفاء حق كل مرتبة من الشريعة والطريقة والمعرفة والحقيقة فمن رعاية حق الشريعة العدالة فى الاحكام فالاستقامة فى مرتبة الطبيعة برعاية الشريعة وفى مرتبة النفس برعاية الطريقة وفى مرتبة الروح برعاية المعرفة وفى مرتبة السر برعاية المعرفة والحقيقة فمراعاة تلك الامور فى غاية الصعوبة ولذلك قال عليه السلام
"شيبتنى سورة هود" فالكمال الانسانى بتكميل تلك المراتب لا باظهار الخوارق كما حكى انه قيل للشيخ ابى سعيد ان فلانا يمشى على الماء قال ان السمك والضفدع كذلك وقيل ان فلانا يطير فى الهواء فقال ان الطيور كذلك وقيل ان فلانا يصل الى الشرق و الغرب فى آن واحد قال ان ابليس كذلك فقيل فما الكمال عندك قال ان تكون فى الظاهر مع الخلق وفى الباطن مع الحق.
واعلم ان النفوس جبلت على الاعوجاج عن طريق الاستقامة الا ما اختص منها بالعناية الازلية والجذبة الالهية: قال المولى الجامى قدس سره

سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند سالها كرجه درين راه تك وبوى كنند