التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ
٤٠
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ حتى اذا جاء امرنا } للتنور بالفوران او للحساب بالارسال وحتى هى التى يبتدأ بها الكلام دخلت على الجملة الشرطية وهى مع ذلك غاية لقوله ويصنع فان كونها حرف ابتداء لا ينافى كونها ما بعدها غاية لما قبلها. والمعنى وكان يصنعها لى ان جاء وقت الطوفان { وفار التنور } [وبجوشيد آب از تنور] والتنور اسم اعجمى عربته العرب لان اصل بنائه تنر وليس فى كلام العرب نون قبل راء ذكره القرطبى اى نبع منه الماء وارتفع بشدة كما يفور القدر بغليانها. والتنور تنور الخبز لاهله وهو قول الجمهور -روى- انه قيل لنوح اذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب ومن معك فى السفينة فلما نبع الماء اخبرته امرأته فركب وقيل كان تنور آدم وكان من حجارة فصا الى نوح وانما نبع منه وهو ابعد شيئ من الماء على خرق العادة واختلفوا فى مكان التنور ايضا فقيل كان فى الكوفة فى موضع مسجدها عن يمين الداخل مما يلى باب الكنيسة وكان عمل السفينة فى ذلك الموضع وفى القاموس الغارقون مسجد الكوفة لان الغرق كان فيه وفى زاوية له فار التنور وقيل فى الهند وقيل فى موضع بالشام يقال له عين وردة وقيل التنور وجه الارض او اشرف موضع فى الارض اى اعلاه وعن على رضى الله عنه فار التنور طلع الفجر { قلنا } جواب اذا وان جعلت حتى جارة متعلقة بيصنع فاذا ليست بشرطية بل مجرورة بحتى وقلنا استئناف { احمل فيها } الضمير راجع الى الفلك والتأنيث باعتبار السفينة { من كل } اى من كل نوع من الحيوانات لا بد منه فى الارض { زوجين اثنين } فعول احمل واثنين صفة مؤكدة له وزيادة بيان كقوله تعالى { لا تتخذوا إلهين اثنين } والزوجان عبارة عن كل اثنين لا يستغنى احدهما عن الآخر ويقال لكل واحد منهما زوج يقال زوج خف وزوج نعل.
قال فى الارشاد الزوج ماله مشاكل من نوعه فالذ كرزوج للانثى كما هى زوج له وقد يطلق على مجموعهما فيقابل الفرد ولازالة ذلك الاحتمال قيل اثنين كل منهما زوج الآخر وقدم ذلك على اهله وسائر المؤمنين لانه انما يحمل بماشرة البشر وهم انما يدخلونها بعد حملهم اياه -روى- ان نوحا قال يا رب كيف احمل من كل زوجين اثنين فحشر اليه السباع والطير فجعل يضرب يديه فى كل جنس فيقع الذكر فى يده اليمنى والانثى فى اليسرى فيجعلهما فى السفينة.
قال الحسن لم يحمل فى السفينة الا ما يلد ويبيض واما ما يتولد من التراب كالحشرات والبق والبعوض فلم يحمل منه شيئا
قال الشيخ السمرقندى فى بحر الكلام واول ما حمل نوح الذرة وآخر ما حمله الحمار فلما دخل صدره تعلق ابليس بذنبه فلم يستقل رجلاه نوح يقول ويحك ادخل فينهض فلا يستطيع حتى قال نوح ادخل والشيطان معك فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان معه فقال نوح ما ادخلك علىّ يا عدو الله ألم تقل ادخل والشيطان معك قال اخرج عنى يا عدو الله قال مالك بدّ من ان تحملنى معك وكان فيما يزعمون فى ظهر الفلك انتهى.
وقال فى التبيان ابليس اراد ان يدخل السفينة فلم يكن ان يدخل من غير اذن فتعلق بذنب حمار وقت دخوله فى السفينة فلم يدخل الحمار فى السفينة فالح عليه نوح عليه السلام فقال نوح للحمار ادخل يا ملعون فدخل الحمار السفينة ودخل معه ابليس فلما كان بعد ذلك رأى نوح ابليس فى السفينة فقال له دخلت السفينة بغير امرى فقال له ابليس ما دخلت الا بأمرك فقال له فانا ما امرتك فقال امرتنى حين قلت للحمار ادخل يا ملعون ولم يكن ثمة ملعون الا انا فدخلت فتركه وفى الحديث
"اذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فانها رأت شيطانا واذا سمعتم صياح الديك فاسألوا الله من فضله فانها رأت ملكا" قالوا صوت كل حيوان تسبيح منه الا الحمار فان صوته من رؤية الشيطان وذلك يدل على ان كمال دناءته فى نفسه ولذا تعلق الشيطان بذنبه وجاء صديقا له واما الديك فهو عدو له لانه يصيح فى اوقات الصلاة عند استماع صوت ديك العرش ولا بعد فى تفاوت الحيوانات العجم كالانسان وقد صح ان البغال كانت اسرع الدواب فى نقل الحطب لنار ابراهيم عليه السلام ولذلك دعا عليها فقطع الله نسلها وان الوزغ كان ينفخ فى ناره ولذا ورد "من قتل وزغة فى اول ضربة كتبت له مائة حسنة"
قال فى حياة الحيوان اذا ذبح الديك الابيض الافرق احد لم يزل ينكب فى اهله وماله.
وعن سالم بن عبد الله عن ابيه قال لما ركب نوح عليه السلام فى السفينة رأى فيها شيخا لم يعرفه فقال له نوح ما ادخلك قال دخلت لاصيب قلوب اصحابك فيكون قلوبهم معى وابدانهم معك قال نوح اخرج يا عدو الله فقال ابليس خمس أهلك بهن الناس وسأحدثك منهن بثلاث ولا أحدثك باثنتين فاوحى الى نوح انه لا حاجة بك الى الثلاث مره يحدثك بالثنتين قال الحسد وبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما والحرص ابيح لآدم الجنة فاصبت حاجتى منه بالحرص: وفى المثنوى

حرص توددكار بدجون آنشست اخكر ازرنك خوش آنش خوشست
آن سياهئ فحم در آتش نهان جون شد آتش آن سياهى شد عيان
اخكراز حرص توشد فحم سياه حرص جون شد ماند آن فحم تباه
آن زمان آن فحم احكر مينمود آن نه حسن كارنار حرص بود
حرص كارت را بيارا ئيده بود حرص رفت وماند كار توكبود

وقيل ان الحية والعقرب اتيا نوحا فقالتا احملنا فقال انتما سبب الضرر والبلاء فلا احملكما قالتا احملنا فنحن نضمن لك ان لا نضر احدا فمن قرأ حين خاف مضرتهما { { سلام على نوح فى العالمين } ما ضرتاه
وعن وهب بن منبه امر نوح بان يحمل من كل زوجين اثنين قال يا رب كيف اصنع بالاسد والبقرة وبالعناق والذئب وبالحمام والهرة قال يا نوح من القى بينهم العداوة قال انت يا رب قال فانى اؤلف بينهم حتى يتراضوا.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كثر الفار فى السفينة حتى خافوا على حبال السفينة فأوحى الله تعالى الى نوح ان امسح جبهة الاسد فمسحها فعطس فخرج منها سنوران فأكلا الفار وكثرت العذرة فى السفينة فشكوا الى نوح فأوحى الله تعالى ان امسح ذنب الفيل فمسحه فخرج منه خنزيران فاكلا العذرة وفى خبر آخر خنزير واحد ودل خبر وهب على ان الهرة كانت من قبل وهذا الخبر على انها لم تكن من قبل الا ان يقال ان قصة التأليف وعت بعد خروج الهرة من انف الاسد والله اعلم { واهلك } عطف على زوجين والمراد امرأته المؤمنة فانه كان له امرأتان احدهما مؤمنة والاخرى كافرة وهى ام كنعان وبنوه ونساؤهم { الا من سبق عليه القول } بانه من المغرقين بسبب ظلمهم والمراد به ابنه كنعان وامه واعلة فانهما كانا كافرين والاستثناء منقطع ان اريد بالاهل الاهل ايمانا وهو الظاهر لقوله تعالى { انه ليس من اهلك } او متصل ان اريد به الاهل قرابة ويكفى فى صحة الاستثناء المعلومية عند المراجعة الى احوالهم والتفحص عن اعمالهم وجيء بعلى لكون السابق ضارا لهم كما جيء باللام فيما هو نافع لهم فى قوله تعالى
{ { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين } وقوله { { ان الذين سبقت لهم منا الحسنى } { ومن آمن } عطف على واهلك اى واحمل اهلك والمؤمنين من غيرهم وافراد الاهل منهم للاستثناء المذكور { وما آمن معه الا قليل } [وايمان نياورده بودند وموافقت نكرده بانوح مكراندكى ازمردمان] -روى- عن النبى عليه السلام انه قال ثمانية نوح واهله وبنوه الثلاثة ونساؤهم.
قال العتبى قرات فى التوراة ان الله تعالى اوحى اليه ان اصنع الفلك وادخل انت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك ومن كل شيء من الحيوان زوجان اثنان فانى منزل المطر اربعين يوما وليلة فأتلف كل شيء خلقته على وجه الارض
وعن مقاتل كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة واولاد نوح ونساؤهم فالجميع ثمانية وسبعون نصفهم رجال ونصفهم نساء.
وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان فى سفينة نوح ثمانون رجلا وامرأة احدهم جرهم يقال ان فى ناحية الموصل قرية يقال لها قرية الثمانين سميت بذلك لانهم لما خرجوا من السفينة بنوها فسميت بهم.
والاشارة { حتى اذا جاء امرنا } وهو حد البلاغة التى يكون العبد مأمورا بالركوب على سفينة الشريعة { وفار التنور } اى يفور ماء الشهوة من تنور القالب { قلنا احمل فيها } فى سفينة الشريعة { من كل } صفة من صفات النفس { زوجين اثنين } اى كل صفة وزوجها كالشهوة وزوجها العفة. والحرص وزوجه القناعة. والبخل وزوجه السخاوة والغضب وزوجه الحلم. والحقد وزوجه السلامة. والعداوة وزوجها المحبة. والتكبر وزوجه التواضع والتأنى وزوجه العجلة { واهلك } اى واحمل معك اهلك صفات الروح { الا من سبق عليه القول } من النفس { ومن آمن } اى آمن معك من القلب والسر { وما آمن معه } غالبا { الا قليل } من صفات القلب فيه اشاره الى ان كل ما كان من هذه الصفات وازواجها فى معزل عن سفينة الشريعة فهو غريق فى طوفان الفتن وهذا رد علىالفلاسفة والاباحية فانهم يعتقدون ان من اصلح اخلاقها الذميمة وعالجها بضدها من الاخلاق الحميدة فلا يحتاج الى الركوب فى سفينة الشرع ولا يعلمون ان الاصلاح والعلاج اذا صدرا من طبيعة لا يفيد ان النجاة لان الطبيعة لا تعلم كيفية الاصلاح والعلاج ولا مقدار تزكية النفس وتحليتها وان كانت الطبيعة واقفة على صلاح النفس وفسادها لعالجتها فى ابتداء امرها وما كانت النفس محتاجة الى طبيب عالم بالامراض ومعالجتها وهم الانبياء عليهم السلام حيث قال تعالى
{ { هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته } ليعلموا المرض من الصحة والداء من الدواء { { ويزكيهم ويعلمهم الكتاب } والحكمة فبالتزكية عن الصفات الطبيعية يستحقون تحلية اخلاق الشريعة الربانية كذا فى التأويلات النجمية