التفاسير

< >
عرض

قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ
٤٨
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ قيل } القائل هو الله تعالى { يا نوح اهبط } هبط لازم ومتعد الا ان مصدر اللازم الهبوط ومصدر المتعدى الهبط كالرجوع والرجع والمراد هنا الاول والهبوط بالفارسية [فرود آمدن] اى انزل من الفلك الى جبل الجودى الذى استقرت السفينة عليه شهرا او من الجودى الى الارض المستوية { بسلام } ملتبسا بسلامة من المكاره كائنة { منا } فسلام بمعنى السلامة حال من فاعل اهبط ومناصفة له دالة على تعظيمه وكماله لان ما كان من الله العظيم عظيم او بسلام وتحية منا عليك كما قال { { سلام على نوح فى العالمين } فالسلام بمعنى التسليم والاول اوجه لان المقام مقام النجاة من الغرق { وبركات عليك } اى خيرات نامية فى نسلك وما يقوم به معاشك ومعاشهم من انواع الارزاق { وعلى امم } ناشئة { ممن معك } متشعبة منهم فمن ابتدائية. والمراد الامم المؤمنة المتناسلة ممن معه من اولاده الى يوم القيامة فهو من اطلاق العام وارادة الخاص هذا على رواية من قال كان معه فى السفينة اولاده وغيرهم مع الاختلاف فى العدد فمات غير الاولاد اى بعد الهبوط ولم ينسل وهو الارجح. واما على وراية من قال ما كان معه فى السفينة الا اولاده وغيرهم مع الاختلاف فى العدد فمات غير الاولاد اى بعد الهبوط ولم ينسل وهو الارجح. واما على رواية من قال ما كان معه فى السفينة الا اولاده ونساؤهم على ان يكون المجموع ثمانية فلا يحتاج الى التأويل وايا ما كان فنوح ابو الخلق كلهم ولذا سمى آدم الثانى وآدم الاصغر لانه لم يحصل النسل الا من ذريته وقد اخرج الله الكثير من القليل بقدرته كما اخرج من صلب زين العابدين الكثير الطيب وذلك انه قتل مع سلطان الشهداء الحسين رضى الله عنه عامة اهل بيته ولم ينج الا ابنه زين العابدين على انه رضى الله عنه اصغرهم فانمى الله تعالى ذريته السادة.
قال فى نفائس المجالس لما ارتفع الطوفان قسم نوح الارض بين اولاده الثلاثة فاما سام فاعطاه بلاد الحجاز واليمن والشام فهو ابو العرب واما حام فاعطاه بلاد السودان فهو ابو السودان واما يافث فاعطاه بلاد المشرق فهو ابو الترك.
قال فى اسولة الحكم اما ممالك الاقاليم السبعة التى ضبط عددها فى زمن المأمون فثلاثمائة وثلاث واربعون مملكة منها ثلاثة ايام وهى اضيقها وثلاثة اشهر وهى اوسعها ووجدت مملكة فى خط الاستواء لها ربيعان وصيفان وخريفان وشتاآن فى سنة واحدة وفى بعضها ستة اشهر ليل وستة اشهر نهار وبعضها حر وبعضها برد واما جميع مدائن الاقاليم فهو اربعة آلاف مدينة وخمسمائة وست وخمسون وقيل غير ذلك وما العمران فى الخراب الا كخردلة فى كف احدكم وفى الخبر
"ان لله دابة فى مرج من مروجه رزقها كل يوم بقدر رزق العالم باسره" فانظر الى سعة رحمة الله وبركاته و لاتغتم لاجل الرزق: وفى المثنوى

جمله را رزاق روزى ميدهد قسمت هركس كه بيشش مينهد
سالها خوردى وكم نامد زخور ترك مستقبل كن وماضى نكر

{ وامم } مبتدأ { سنمتعهم } صفة والخبر محذوف وهم منهم اى ليس جميع من تشعب منهم مسلما ومباركا عليهم بل منهم امم سنمتعهم فى الدنيا معناه بالفارسية [زود باشدكه برخوردارى دهيم ايشانرا دردنيا بفراخئ عيش وسعت رزق] { ثم يمسهم منا } [بس برسد ايشانرا ازما] { عذاب اليم } [عذابى دردناك] اما فى الآخرة وفى الدنيا ايضا وهم الكفار واهل الشقاوة يشير سبحانه وتعالى لى ان اكون كل الناس سعداء او اشقياء مخالف لحكمته فانه اودع فيهم جماله وجلاله على مقتضى تدبيره فلا بد من ظهور آثار كل منهما كما قال الحافظ

دركار خانه عشق ازكفرنا كزيرست آتش كرابسوزد بولهب نباشد

-حكى- فى التفاسير انه لما رست السفينة على الجودى كشف نوح الطبق الذى فيه الطير فبعث الغراب لينظر هل غرقت البلاد كما فى حياة الحيوان او كم بقى من الماء فيأتيه بخبر الارض كما فى تفسير ابى الليث فابصر جيفة فوقع عليها واشتغل بها فلم يرجع ولذا قالوا فى المثل ابطأ من غراب نوح ثم ارسل الحمامة فلم تجد موضعا فى الارض فجاءت بورق لزيتون فى منقارها فتعرف نوح ان الماء قد نقص وظهرت الاشجار ثم ارسلها فوقعت على الارض فغابت رجلاها فى الطين قدر حمرتهما فجاءت الى نوح وارته فعرف ان الارض قد ظهرت فبارك على الحمامة وطوقها الخضرة التى فى عنقها ودعا لهما بالامان فمن ثم تألف البيوت ودعا على الغراب بالخوف فلذلك لا يالف البيوت وتشاءم العرب بالغراب واستخرجوا من اسمه الغربة قالوا غراب البين لانه بان عن نوح.
واعلم ان نوحا عليه السلام هبط بمن معه فى السفينة يوم عاشوراء فصام وامر من معه بصيامه شكرا لله تعالى وقد فرغت ازوادهم فجاء هذا بكف حنطة وهذا بكف عدس وهذا بكف حمص الى ان بلغت سبعة حبوب فطبخها نوح عليه السلام لهم فافطروا عليها وشبعوا جميعا ببركات نوح وكان اول طعام طبخ على وجه الارض بعد الطوفان هذا فاتخذه الناس سنة يوم عاشوراء وفيه اجر عظيم لمن يفعل ذلك ويطعم الفقراء والمساكين.
وذكر ان الله عز وجل يخرق ليلة عاشوراء زمزم الى سائر المياه فمن اغتسل يومئذ أمن من المرض فى جميع السنة كما فى الروض الفائق ومن وسع فيه على عياله فى النفقة وسع الله له سائر سنته.
قال ابن سيرين جربناه ووجدناه كذلك كما فى الاسرار المحمدية.
قل فى عقد الدرر واللآلئ المستحب فى ذلك يوم فعل الخيرات من الصدقة الصوم والذكر وغيرها ولا ينبغى للمؤمن ان يتشبه بيزيد الملعون فى بعض الافعال وبالشيعة والروافض والخوارج ايضا يعنى لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد او يوم مأتم فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبه بيزيد الملعون وقومه وان كان للاكتحال فى ذلك اليوم اصل صحيح فان ترك السنة سنة اذا كانت شعارا لاهل البدعة كالتختم باليمين فانه فى الاصل سنة لكنه لما كان شعار اهل البدعة والظلمة صارت السنة ان يجعل الخاتم فى خنصر اليد اليسرى فى زماننا كما فى شرح القهستانى ومثله تقصير الثياب وتطويلها اللهم الا ان يفعل بعض الافعال كالاغتسال وزيارة الاخوان وتوسيع النفقة ونحوها من غير ان يطر بباله التشبيه وعدمه كما اذا خرج بطريق الاتفاق او بمصلحة داعية اليه من غير ان يخطر بقلبه الموافقة فانه لا بأس به.
ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل المحرم مقتل الحسين رضى الله عنه فقد تشبه بالروافض خصوصا اذا كان بالفاظ مخلة بالتعظيم لاجل تحزين السامعين.
وفى كراهية القهستانى لو اراد ذكر مقتل الحسين ينبغى ان يذكر اولا مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض انتهى.
قال حجة الاسلام الغزالى يحرم على الواعظ وغيره راوية مقتل الحسين وحكايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم اعلام الدين وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة ولعل ذلك لخطأ فى الاجتهاد لا لطلب الرياسة والدنيا كما لا يخفى.
وقال عز الدين بن عبد السلام فى فصل آفات اللسان الخوض فى الباطل هو الكلام فى المعاصى كحكاية احول الوقاع ومجالس الخمور وتجبر الظلمة وكحكاية مذاهب اهل الاهواء وكذا حكاية ما جرى بين الصحابة رضى الله عنهم انتهى.
قال فى عقد الدرر ويح قاتل الحسين كيف حاله مع ابويه وجده وانشدوا

لا بد ان ترد القيامة فاطم وقميصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه والصور فى يوم القيامة ينفخ

وفى الحديث "قاتل الحسين فى تابوت من نار عيله نصف عذاب اهل الدنيا"
قال فى انسان العيون ارسل اهل الكوفة الى الحسين ان ياتيهم ليبايعوه فاراد الذهاب فنهاه ابن عباس وبين له غدرهم وقتلهم لابيه وخذلانهم لاخيه الحسن فأبى الا ان يذهب فبكى ابن عباس رضى الله عنهما وقال واحسيناه ولم يبق بمكة الا من حزن على مسيره وقدم امامه الى الكوفة مسلم بن عقيل فبايعه من اهل الكوفة للحسين اثنا عشر الفا وقيل اكثر من ذلك ولما شارف الكوفة جهز اليه اميرها من جانب يزيد وهو عبد الله بن زياد عشرين الف مقاتل وكان اكثرهم ممن بايع لاجل السحت العاجل على الخير الآجل فلما وصلوا اليه ورأى كثرة الجيوش طلب منهم احدى ثلاث اما ان يرجع من حيث جاء او يذهب الى بعض الثغور او يذهب الى يزيد يفعل فيه ما اراد فابوا وطلبوا منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فابى فقاتلوه الى ان اثخنته الجراحة فسقط الى الارض فخروا رأسه وذلك يوم عاشوراء عام احدى وستين ووضع ذلك الرأس بين يدى عبد الله بن زياد.
قال فى روضة الاخيار قبر الحسين رضى الله عنه بكربلاء وهى من ارض العراق ورأسه بالشام فى مسجد دمشق على رأس اسطوانة وقد رأى النبى صلى الله عليه وسلم بعض الصالحين فى النوم فقال يا رسول الله بابى انت وامى ما ترى فتن امتك فقال زادهم الله فتنة قتلوا الحسين ولم يحفظونى ولم يراعوا حقى فيه
وعن الشعبى
"مر على ر ضى الله عنه بكربلاء عند مسيره الى صفين فوقف وسأل عن اسم هذه الارض فقيل كربلاء فبكى حتى بل الارض من دموعه ثم قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى فقال كان عندى جبريل آنفا واخبرنى ان ولدى الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال له كربلاء ثم قبض جبريل قبضة من تراب اشمنى اياها فلم املك عينى ان فاضتا -روى- ان تلك التربة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قارورة وقال لام سلمة رضى الله عنها ان هذا من تربة الارض التى يقتل بها الحسين فمتى صار دما فاعلمى انه قد قتل قالت ام سلمة فلما كان ليلة قتل الحسين سمعت قائلا يقول"

ايها القاتلون جهلا حسينا أبشروا بالعذاب والتذليل
قد لعنتم على لسان ابن داو دو موسى وحامل الانجيل

"قال فبكيت وفتحت القارورة فاذا التربة قد جرت دما." حكى ان السماء احمرت لقتله
قال ابن سيرين والحمرة التى مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين وحكمته على ما قال ابن الجوزى ان غضبنا يؤثر حمرة الوجه والحق منزه عن الجسمية فاظهر تاثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الافق اظهارا لعظيم الجناية ولم يرفع حجر فى الدنيا يوم قتله الا وجد تحته دم عبيط.
واخرج ابو الشيخ ان جمعا تذاكروا انه ما من اعان على قتل الحسين الا اصابه بلاء قبل ان يموت فقال شيخ انا اعنت وما اصابنى شيء فقام ليصلح السراج فاخذته النار فجعل ينادى النار النار وانغمس فى الفرات ومع ذلك لم يزل ذلك به حتى مات. وبعضهم ابتلى بالعطش فكان يشرب راوية ولا يروى. وبعضهم عوقب بالقتل او العمى او سواد الوجه او زوال الملك فى مدة يسيرة وغير ذلك فاذا عرفت فكن على جانب ممن يعادى اهل البيت ومن صحبتهم فان موالاتهم معاداة لاهل البيت وبغض لهم واحفظ الحرمة يحفظك الله وفى الحديث
"ان لله تعالى ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله دينه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله تعالى دينه ولا دنياه حرمة الاسلام وحرمتى وحرمة رحمى ومن لم يعرف حتى عترتى والانصار والعرب فهو لاحدى ثلاث اما منافق واما لزنية واما حملت به امه فى غير طهر"

دركار دين زمردم بى دين مدد مخواه ازماه منخسف مطلب صبحكاه

اللهم احفظنا من الانقطاع عن الوسائل الحقة والحقنا فى الدنيا والآخرة بالطائفة المحقة