التفاسير

< >
عرض

تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ
٤٩
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ تلك } اشارة الى قصة نوح عليه السلام ومحلها الرفع بالابتداء وخبرها قوله { من انباء الغيب } اى بعض اخباره فانه لتقادم عهده لم يبق علمه الا عند الله تعالى { نوحيها } اى تلك القصة بواسطة جبريل خبر ثان { اليك } ليكون لك هداية واسوة فيما لقيه غيرك من الانبياء عليهم السلام { ما كنت تعلمها انت ولا قومك } خبر آخر اى مجهولة عندك وعند قومك { من قبل هذا } اى من قبل ايحائنا اليك واخبارنا بها. وفى ذكر جهلهم تنبيه على انه عليه السلام لم يتعلمه اذ لم يخالط غيرهم وانهم مع كثرتهم لم يسمعوه فكيف يؤخذ منهم.
قال سعدى المفتى اعلمناهم بها ليكون لهم مثالا وتحذيرا ان يصيبهم اذا كذبوك ما اصاب اولئك { فاصبر } متفرع على الايحاء اى واذ قد اوحيناها.
وفى تفسير ابى الليث يعنى ان لم يصدقوك فاصبر على مشاق تبليغ الرسالة واذية قومك وتكذيبهم كما صبر نوح فى هذه المدة المتطاولة { ان العاقبة } اى آخر الامر بالظفر فى الدنيا وبالفوز فى الآخرة { للمتقين } اى المؤمنين الموحدين الصابرين كما شاهدته فى نوح وقومه ولك فيه اسوة حسنة. وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين: قال الحافظ

سروش عالم غيبم بشارتى خوش داد كه كس هميشة كرفتار غم نخواهد ماند

قال الكاشفى [بير طريقت فرمودكه صبر كليد همه بستكيها است وشكيبايى علاج همه خستكيها است نتيجه شكيبايى ظفراست وكار بى صبر ازهر روز بترست

صبراست كليد كنج مقصود بى صبر درمراد نكشود
كر صبر كنى مراد يابى وزباى در افتى از شتابى

"-روى- عن خباب بن الارت قال اتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو متوسد بردائه فى ظل الكعبة فشكونا اليه فقلنا يا رسول الله ألا تدعو الله لنا وتستنصرنا فجلس محمارا لونه ثم قال ان من كان قبلكم ليؤتى بالرجل فيحفر له فى الارض حفرة فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه" وفى الحديث "يؤتى يوم القيامة بانعم اهل الارض فيغمس فى النار غمسة فيخرج اسود محترقا فيقال له هل مر بك نعيم قط او كنت فيه فيقول لا لم ازل فى هذا البلاء منذ خلقنى الله تعالى ويؤتى باشد اهل الدنيا بلاء فينغمس فى الجنة غمسة" يعنى يدخل فيها ساعة "فيخرج كأنه القمر ليلة البدر فيقال له هل مر بك شدة قط فيقول لا لم ازل فى هذا النعيم منذ خلقنى الله تعالى"
يقول الفقير هذا اذا صبر ولم يظفر ببغيته فى الدنيا مع ان من الظفر والنصر الموت على ما قاله بعض العلماء فى قوله تعالى { { ألا ان نصر الله قريب } فان الميت اما مستريح او مستراح منه ولكن غالب العادة الالهية انزال النصر للعاجز ولقد شاهدت فى عصرى كثيرا من مواد هذا الباب. منها انى كنت فى الاسكوب من الديار الرومية انهى عن المنكر فلقبنى من القوم فى مدة ست سنين ما يضيق نطاق البيان عنه حتى آل الامر الى الهجرة من تلك البلدة فاخرجونى من بينهم فانقلب الابتلاء الى مقاساة شدائد الهجرة مع الاهل والاولاد حتى اذا دخلت مدينة بروسة باشارة حضرة الشيخ قدس سره ووجدت فيها الراحة العظمى استولى الكفار على البلاد الرومية واحرقوا الاسكوب وجعل الله من فيها من المستكبرين كأن لم يكن شيئا مذكورا. ومنها ان ابراهيم الوزير فى اواخر دولة السلطان محمد الرابع نفى حضرة شيخنا الاجل الذى جعله الله آية من آيات الدولة القمرية الى بلدة المعروفة بشمنى وكان حين النفى متمكنا فى القسطنطينية فلم يلبث حتى نفاه الله اى الوزير ثم قتل ثم لما آلت الوزارة الى مصطفى المعروف بابن كوبريلى فى دولة السلطان سليمان الثانى اخرج حضرة الشيخ ايضا لغرض فاسد الى جزيرة قبرص فما مضى سنة الا قتل الوزير وجعل عبرة للمعتبرين ومثلا للآخرين وكنت اتحزن فى امر حضرة الشيخ حين كان فى الجزيرة المذكورة فبينما انا فى تفكره يوما اذوردلى كتاب من جنابه مندرج فيه قوله تعالى { { ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا الا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك الا القوم الفاسقون } فصادف قتل الوزير وهو من كراماته العجيبة حفظه الله سبحانه ومتعنا بعلومه الالهية ووارداته الربانية