التفاسير

< >
عرض

أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٥
-هود

روح البيان في تفسير القرآن

{ ألا } اى تنبهوا ايها المؤمنون { انهم } اى مشتركى مكة { يثنون صدورهم } من ثنى يثنى اى عطف وصرف. والمعنى يعطفون صدورهم على ما فيها من الكفر والاعراص عن الحق وعداوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بحيث يكون ذلك مخفيا مستورا فيها كما تعطف الثياب على ما فيها من الاشياء المستورة { ليستخفوا منه } الاستخفاء الاستتار اى ليختفوا ويستتروا من الله تعالى لجهلهم بما لا يجوز على الله تعالى -روى- عن ابن عباس رضى الله عنهما انها نزلت فى اخنس بن شريق الزهرى وكان رجلا حلو المنطق حسن السياق للحديث يظهر لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المحبة ويضمر فى قلبه ما يضادها.
وقال ابن شداد انها نزلت فى بعض المنافقين كان اذا مر برسول الله ثنى صدره وظهره وطأطأ رأسه وغطى وجهه كيلا يراه النبى عليه السلام فكأنه انما كان يصنع ما يصنع لانه لو راه النبى عليه السلام لم يمكنه التخلف عن حضور مجلسه والمصاحبة معه وربما يؤدى ذلك الى ظهور ما فى قلبه من الكفر والنفاق.
فان قلت الآية مكية والنفاق حدث بالمدينة.
قلت لك ان تمنع ذلك بل ظهوره انما كان فيها ولو سلم فليكن هذا من باب الاخبار عن الغيب وهو من جملة المعجزات { الا حين يستغشون ثيابهم } اى يتغطون بها للاستخفاء على ما نقل عن ابن شداد وحين ياوون الى فراشهم ويتدثرون ثيابهم وكان الرجل من الكفار يدخل بيته ويرخى ستره ويحنى ظهره ويتغشى ثوبه ويقول هل يعلم الله ما فى قلبى.
قال فى الكواشى حين توقيت للتغطى لا للعلم انتهى.
اى لئلا يلزم تقييد علمه تعالى بسرهم وعلنهم بهذا الوقت الخاص وهو تعالى عالم بذلك فى كل وقت. والجواب انه تعالى اذا علم سرهم وعلنهم فى وقت التغشية الذى يخفى فيه السر فاولى ان يعلم ذلك فى غيره وهذا بحسب العادة والا فالله تعالى لا يتفاوت علمه بتفاوت احوال الخلق { يعلم ما يسرون } اى يضمرون فى قلوبهم { وما يعلنون } بافواههم وما مصدرية اى اسرارهم واعلانهم او بمعنى الذى والعائد محذوف وقدم السر على العلن لان مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن اذ ما من شيء يعلن لا وهو او مباديه قبل ذلك مضمر فى القلب فتعلق علمه سبحانه بحالته الاولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية { انه } اى الله تعالى { عليم بذات الصدور } مبالغ فى الاحاطة بمضمرات جميع الناس واسرارهم الخفية المستكنة فى صدورهم بحيث لا تفارقها اصلا فكيف يخفى على ما يسرون وما يعلنون

اى كه دردل نهان كنى سرى آنكه دل آفريد ميداند

ومعنى الآية ان الذين اضمروا الكفر والعداوة لا يخفون علينا وسنجازيهم على ما ابطنوا من سوء اعمالهم حق جزائهم فحقه ان يتقى ويحذر ولا يجترئ على شيء مما يخالف رضاه

صورت ظاهر ندارد اعتبار باطنى بايد مبرا از غبار

واعلم ان اصلاح القلب اهم من كل شيء اذ هو كالملك المطاع فى اقليم البدن لنافذ الحكم وظاهر الاعضاء كالرعية والخدم له والنفاق صفة من صفاته المذمومة وهو عدم موافقة الظاهر للباطن والقول للفعل.
وقال ناس لابن عمر انا لندخل الى سلطاننا وامرائنا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم اذا خرجنا من عندهم فقال كنا نعد هذا نفاقا على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم
وقال حذيفة ان المنافقين اليوم شر منهم على عهد رسول الله قالوا وكيف ذلك قال كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون

هركه سازد نفاق بيشه خويش خوار كردد بنزد خالق وخلق

ومن آفات القلب العداوة
وعن على رضى الله عنه انه قال العداوة شغل

هركه بيشه كند عداوت خلق از همه خيرهاجدا كردد
كه دلش خسته عنا باشد كه تنش بسته بلا كردد

وفى هذا المعنى قال حضرة الشيخ السعدى قدس سره

دلم خانه مهر يارست وبس ازان جانكنجد درو كين كس

وفى الآية اشارة الى حال اهل الانكار فان كفار الشريعة كانوا يتغطون بثيابهم لئلا يسمعوا القرآن وكلام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وكذا كفار الحقيقة لا يصغون الى ذكر الصوفية بالجهر ولا يقبلون على استماع اسرار المشايخ وحقائق القرآن بل يثنون صدورهم ويظنون ان الله تعالى لا يعلم سرهم ونجواهم ولا يجازيهم على اعراضهم عن الحق وعداوتهم لاهله.
تم الجزء الحادى عشر فى الثامن عشر من ذى القعدة من سنة اثنتين ومائة الف