التفاسير

< >
عرض

إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ
١
-النصر

روح البيان في تفسير القرآن

{ اذا جاء نصر الله } اى اعانته تعالى واظهاره اياك على اعدآئك فان قلت لا شك ان ما وقع من الفتوح كان بنصرة المؤمنين فما وجه اضافتها الى الله قلت لان افعالهم مستندة الى دواعى قلوبهم وهى امور حادثة لا بد لها من محدث وهو الله تعالى فالعبد هو المبدأ الاقرب والله هو المبدأ الاول والخالق للدواعى وما يبتنى عليها من الافعال والعامل فى اذا هو سبح اى فسبح اذا جاء نصر الله ولا يمنع الفاء عن العمل على قول الاكثرين او فعل الشرط وليس اذا مضافا اليه على مذهب المحققين واذا لما يستقبل والاعلام بذلك قيل كونه من اعلام النبوة لما روى ان السورة نزلت قبل فتح مكة كما عليه الاكثر { والفتح } اى فتح مكة على ان الاضافة واللام للعهد وهو الفتح الذى تطمح اليه الابصار ولذلك سمى فتح الفتوح ووقع الوعد به فى اول سورة الفتح وقد سبقت قصة الفتح فى تلك السورة وقيل جنس نصر الله مطلق الفتح على ان الاضافة واللام للاستغراق فان فتح مكة لما كان مفتاح الفتوح ومناطها كما ان نفسها ام القرى وامامها جعل مجيئه بمنزلة مجيئ سائر الفتوح وعلق به امره عليه السلام وانهما على جناح الوصول اليه عن قريب ويمكن ان يقال التعبير للاشارة الى حصول نصر الله بمجيئ جند بهم النصر وقيل نزلت السورة فى ايام التشريق بمنى فى حجة الوداع وعاش عليه السلام بعدها ثمانين يوما او نحوها فكلمة اذا حينئذ باعتبار أن بعض ما فى حيزها اعنى رؤيته دخول الناس الخ غير منقض بعد وقال سعدى المفتى وعلى هذه الرواية فكلمة اذا تكون خارجة عن معنى الاستقبال فانها قد تخرج عنه كما قيل فى قوله تعالى واذا رأوا تجارة الآية وفى المصطلحات ان الفتوح كل ما يفتح على العبد من الله تعالى بعد ما كان مغلقا عليه من النعم الظاهرة والباطنة كالارزاق والعبادات والعلوم والمعارف والمكاشفات وغير ذلك والفتح القريب هو ما انفتح على العبد من مقام القلب وظهور صفاته وكمالاته عند قطع منازل النفس وهو المشار اليه بقوله نصر من الله وفتح قريب والفتح المبين هو ما يفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات انوار الاسماء الالهية المفنية لصفات القلب وكمالاته المشار اليه بقوله انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر يعنى من الصفات النفسانية والقلبية والفتح المطلق هو أعلى الفتوحات واكملها وهو ما انفتح على العبد من تجلى الذات الاحدية والاستغراق فى عين الجمع بفناء الرسوم الخلقية كلها وهو المشار اليه بقوله اذا جاء نصر الله والفتح انتهى وقد سبق بعبارة اخرى فى سورة الفتح وعلى هذا فالمراد بالنصر هو المدد الملكوتى والتأييد القدسى بتجليات الاسماء والصفات وبالفتح هو الفتح المطلق الذى لا فتح ورآءه وهو فتح باب الحضرة الالهية الحدية والكشف الذاتى ولا شك ان الفتح الاول هو فتح ملكوت الافعال فى مقام القلب بكشف حجاب حس النفس بافناء افعالها فى افعال الحق والثانى هو فتح جبروت الصفات فى مقام الروح بكشف حجاب خيالها فافناء صفاتها فى صفاته والثالث هو فتح لاهوت الذات فى مقام السر بكشف حجب وهمها بافناء ذاتها فى ذاته ومن حصل له هذا النصر والفتح الباطنى حصل له النصر والفتح الظاهرى ايضا لان النصر والفتح من باب الرحمة وعند الوصول الى نهاية النهايات لا يبقى من السخط اثر اصلا ويستوعب الظاهر والباطن اثر الرحمة مطلقا ومن ثمة تفاوت احوال الكمل بداية ونهاية فظهر من هذا ان كلا من النصر والفتح فى الآية ينبغى ان يحمل على ما هو المطلق لكنى اقتفيت اثر أهل التفسير فى تقديم ما هو المقيد لكنه قول مرجوح تسامح الله عن قائله.