التفاسير

< >
عرض

مِن شَرِّ ٱلْوَسْوَاسِ ٱلْخَنَّاسِ
٤
-الناس

روح البيان في تفسير القرآن

{ من شر الوسواس } هو اسم بمعنى الوسوسة وهو الصوت الخفى الذى لا يحس فيحتزر منه كالزلزال بمعنى الزلزلة واما المصدر فبالكسر والفرق بين المصدر هو أن الحدث ان اعتبر صدوره عن الفاعل ووقوعه على المفعول سمى مصدرا واذا لم يعتبر بهذه الحقيقة سمى اسم المصدر ولما كانت الوسوسة كلاما يكرره الموسوس ويؤكده عند من يلقيه اليه كرر لفظها بازآء تكرير معناها والمراد بالوسواس الشيطان لانه يدعو الى المعصية بكلام خفى يفهمه القلب من غير ان يسمع صوته وذلك بالاغرار بسعة رحمة الله او بتخييل أن له فى عمره سعة وان وقت التوبة باق بعد سمى بفعله مبالغة كأنه نفس الوسوسة لدوام وسوسته فقد اوقع الاستعاذة من شر الشيطان الموصوف بأنه الوسواس الخ ولم يقل من شر وسوسته لتعم الاستعاذة شره جميعه وانما وصفه بأعظم صفاته واشدها شرا واقواها تأثيرا وأعمها فسادا وانما استعاذ منه بالاله دون بعض اسمائه كما فى السورة الاولى لان الشيطان هو الذى يقابل الرحمن ويستولى على الصورة الجمعية الانسانية ويظهر فى صورة جميع الاسماء ويتمثل بها الا بالله والرحمن فلم تكف الاستعاذة منه بالهادى والعليم والقدير وغير ذلك فلهذا لما تعوذ من الاحتجاب والضلالة تعوذ برب الفلق وههنا تعوذ برب الناس ومن هذا يفهم معنى قوله عليه السلام "من رآنى فقد رآنى فان الشيطان لا يتمثل بى" وكذا لا يتمثل بصور الكمل من امته لانهم مظاهر الهداية المطلقة قال بعض الكبار الالقاء اما صحيح او فاسد.
فالصحيح الهى ربانى متعلق بالعلوم والمعارف او ملكى روحانى وهو الباعث على الطاعة وعلى كل ما فيه صلاح ويسمى الهاما.
والفاسد نفسانى وهو ما فيه حظ النفس ويسمى هاجسا او شيطانى وهو ما يدعو الى معصية ويسمى وسواسا وفى آكام المرجان وينحصر ما يدعو الشيطان اليه ابن آدم فى ست مراتب المرتبة الاولى الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله فاذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهذا اول ما يريده من العبد والمرتبة الثانية البدعة وهى احب الى ابليس من المعصية لان المعصية يتاب منها فتكون كالعدم والبدعة يظن صاحبها انها صحيحة فلا يتوب منها فاذا عجزعن ذلك انتقل الى المرتبة الثالثة وهى الكبائر على اختلاف انواعها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الرابعة وهى الصغائر التى اذا اجتمعت اهلكت صاحبها كالنار الموقدة من الخطب الصغار فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة الخامسة وهى اشتغاله بالمباحات التى لا ثواب فيها ولا عقاب بل عقابها فوات الثواب الذى فات عليه باشتغاله بها فاذا عجز عن ذلك انتقل الى المرتبة السادسة وهى ان يشغله بالعمل المفضول عما هوأفضل منه ليفوته ثواب العمل الفاضل ومن الشياطين شيطان الوضوء ويقال له الولهان بفتحين وهو شيطان يولع الناس بكثرة استعمال الماء قال عليه السلام
"تعوذوا بالله من وسوسة الوضوء" ومنهم شيطان يقال له خنزب وهو الملبس على المصلى فى صلاته وقرآءته قال ابو عمر والبخارى رحمهما الله اصل الوسوسة ونتيجتها من عشرة اشياء أولها الحرص فقابله بالتوكيل والقناعة والثانى الامل فاكسره بمفاجأة الاجل والثالث التمتع بشهوات الدنيا فقابله بزوال النعمة وطول الحساب والرابع الحسد فاكسره برؤية العدل والخامس البلاء فاكسره برؤية المنة والعوافى والسادس الكبر فاكسره بالتواضع والسابع الاستخفاف بحرمة المؤمنين فاكسره بتعظيمهم واحترامهم والثامن حب الدنيا والمحمدة فاكسره بالاخلاص والتاسع طلب العلو والرفعة فاكسره بالخشوع والذلة والعاشر المنع والبخل فاكسره بالجود والسخاء { الخناس } الذى عادته ان يخنس اى يتأخر اذا ذكر الانسان ربه (حكى) ان بعض الاولياء سأل الله تعالى ان يريه كيف يأتى الشيطان ويوسوس فأراه الحق تعالى هيكل الانسان فى صورة بلور وبين كتفيه خال اسود كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو فى صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء بين الكتفين فادخل خرطومه قبل قلبه فوسوس اليه فذكر الله فخنس ورآءه ولذلك سمى بالخناس لانه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر فى القلب ولهذا السر الالهى كان عليه السلام يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبرآئيل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لانه يجرى وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه عليه السلام اشارة الى عصمته من وسوسته لقوله اعاننى الله عليه فأسلم اى بالختم الالهى وشرح الصدر أيده وبالعصمة الكلية خصه فأسلم قرينه وما اسلم قرين آدم عليه السلام فوسوس اليه لذلك ويجوز ان يدخل الشيطان فى الاجسام لانه جسم لطيف وهو وان كان مخلوقا فى الاصل من نار لكنه ليس بمحرق لانه لما امتزج النار بالهواء صار تركيبه مزاجا مخصوصا كتركيب الانسان وفى الوسواس اشارة الى الوسواس الحاصل من القوة الحسية والخيالية وفى الخناس الى القوة الوهمية المتأخرة عن مرتبتى القوتين فانها تساعد العقل فى المقدمات فاذا آل الامر الى النتيجة خنست وتأخرت توسوسه وتشككه كما يحكم الوهم بالخوف من الموتى مع انه يوافق العقل فى ان الميت جماد والجماد لا يخاف منه المنتج لقولنا الميت لا يخاف منه فاذا وصل العقل والوهم الى النتيجة نكص الوهم وانكرها.