التفاسير

< >
عرض

مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ
٦
-الناس

روح البيان في تفسير القرآن

{ من الجنة والناس } الجنة بالكسر جماعة الجن ومن بيان للذى يوسوس على انه ضربان جنى وانسى كما قال تعالى شياطين الانس والجن والموسوس اليه نوع واحد وهو الانس فكما ان شيطان الجن قد يوسوس تارة ويخنس اخرى فشيطان الانس يكون كذلك وذلك لانه يلقى الاباطيل ويرى نفسه فى صورة الناصح المشفق فان زجره السامع يخنس ويترك الوسوسة وان قبل السامع كلامه بالغ فيه قال فى الاسئلة المقحمة من دعا غيره الى الباطل فان تصوره فى قلبه كان ذلك وسوسة وقد قال تعالى ونعلم ما توسوس به نفسه فاذا جاز أن توسوس نفسه جاز أن يوسوسه غيره فان حقيقة الوسواس لا تختلف باختلاف الاشخاص ويجوز أن تكون من متعلقة بيوسوس فتكون لابتداء الغاية اى يوسوس فى صدورهم من جهة الجن انهم يعلمون الغيب ويضرون وينفعون ومن جهة الناس كالكهان والمنجمين كذلك وفى الجنة اشارة الى القوى الباطنة المستجنة المستورة اذ سمى الجن بالجن لاستجنانه وفى الناس الى القوى الظاهرة اذ الناس من الايناس وهو الظهور كما قال آنست نارا وفى هذا المقام لطيفة بالغة وهى ان المستعاذ به فى السورة الاولى مذكور بصفة واحدة وهى انه رب الفلق والمستعاد منه ثلاثة انواع من الآفات وهى الغاسق والنفاثات والحاسد واما فى هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بثلاثة اوصاف وهى الرب والملك والاله والمستعاذ منه آفة واحدة وهى الوسوسة ومن المعلوم ان المطلوب كلما كان اهم والرعية فيه اتم واكثر كان ثناء الطالب قبل طلبه اكثر وأوفر والمطلوب فى السورة المتقدمة هو سلامة البدن من الآفات المذكورة وفى هذه السورة سلامة الدين من وسوسة الشيطان فظهر بهذا ان فى نظم السورتين الكريمتين تنبيها على ان سلامة الدين من وسوسة الشيطان وان كانت امرا واحدا الا انها اعظم مراد وأهم مطلوب وان سلامة البدن من تلك الآفات وان كانت امورا متعددة ليست بتلك المثابة فى الاهتمام وفى آكام المرجان سورة الناس مشتملة على الاستعاذة من الشر الذى هو سبب الذنوب والمعاصى كلها وهو الشر الداخل فى الانسان الذى هو منشأ العقوبات فى الدنيا والآخرة وسورة الفلق تضمنت الاستعاذة من الشر الذى هو سبب ظلم العبد نفسه وهو شر من خارج فالشر الاول لا يدخل تحت التكليف ولا يطلب منه الكف عنه لانه ليس من كسبه والشر الثانى يدخل تحت التكليف ويتعلق به النهى وعن عائشة رضى الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا اوى الى فراشه كل ليلة جمع كفية فنفث فيهما وقرأ قل هو الله احد وقل اعوذ برب الفلق وقل اعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجهه وما اقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات وفى قوت القلوب للشيخ ابى طالب المكى قدس سره وليجعل العبد مفتاح درسه ان يقول "اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم رب اعوذ بك من همزات الشياطين واعوذ بك رب ان يحضرون " وليقرأ قل اعوذ برب الناس وسورة الحمد وليقل عند فراغه من كل سورة صدق الله تعالى وبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم اللهم انفعنا وبارك لنا فيه الحمد لله رب العالمين واستغفر الله الحى القيوم.
وفى اسئلة عبد الله بن سلام اخبرنى يا محمد ما ابتدآء القرءآن وما ختمه قال ابتدآؤه بسم الله الرحمن الرحيم وختمه صدق الله العظيم قال صدقت وفى خريدة العجائب يعنى ينبغى ان يقول القارئ ذلك عند الختم والا فختم القرءآن سورة الناس وفى الابتدآء بالباء والاختتام بالسين اشارة الى لفظ بس.
يعنى حسب اى حسبك من الكونين ما اعطيناك بين الحرفين كما قال الحكيم سنانىرحمه الله

اول وآخر قرآن زجه باآمد وسين يعنى اندرره دين رهبرتو قرآن بس

يقول الفقير ايده الله القدير ان الله تعالى انما بدأ القرءآن ببسم الله وختمه بالناس اشارة الى ان الانسان آخر المراتب الكونية كما ان الكلام آخر المراتب الآلهية وذلك لان ابتدآء المراتب الكونية هو العقل الاول وانتهاؤها الانسان ومجموعها عدد حروف التهجى واول المراتب الآلهية هو الحياة وآخرها الكلام ولذا كان اول ما يظهر من المولود الحياة هو جنين وآخر ما يظهر منه الكلام وهو موضوع لان الله تعالى خلق آدم على صورته فكان اول الكلام القرءآنى اسم الله لانه المبدأ الاول وآخره الناس لان الانس هو المظهر الآخر والمبتدئ يعرج تعلما الى ان ينتهى الى المبدأ الاول واسمه العالى والمنتهى ينزل تلاوة الى ان ينتهى الى ذكر الانس السافل وحقيقته أن الله تعالى هو المبدأ جلاء والمنتهى استجلاء وهو الاول بلا بداية والآخر بلا نهاية (روى) عن ابن كثيررحمه الله انه كان اذا انتهى فى آخر الختمة الى قل اعوذ برب الناس قرأ سورة الحمد لله رب العالمين وخمس آيات من اول سورة البقرة على عدد الكوفى وهوالى واولئك هم المفلحون لان هذا يسمى حال المرتحل ومعناه انه حل فى قرآءته آخر الختمة وارتحل الى ختمة اخرى ارغاما للشيطان وصار العمل على هذا فى امصار المسلمين فى قرآءة ابن كثير وغيرها وورد النص عن الامام احمد بن حنبلرحمه الله ان من قرأ سورة الناس يدعو عقب ذلك فلم يستحب ان يصل ختمه بقرآءة شئ وروى عنه قول آخر بالاستحباب واستحسن مشايخ العراق قرآءة سورة الاخلاص ثلاثا عند ختم القرءآن الا ان يكون الختم فى المكتوبة فلا يكررها وفى الحديث "من شهد خاتمة القرءآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرءآن كان كمن شهد فتحا فى سبيل الله تعالى" وعن الامام البخارىرحمه الله انه قال عند كل ختمة دعوة مستجابة واذا ختم الرجل القرءآن قبل الملك بين عينيه ومن شك فى غفرانه عند الختم فليس له غفران ونص الامام احد على استحباب الدعاء عند الختم وكذا جماعة من السلف فيدعو بما احب مستقبل القبلة رافعا يديه خاضعا لله موقنا بالاجابة ولا يتكلف السجع فى الدعاء بل يجتنبه ويثنى على الله تعالى قبل الدعاء وبعده ويصلى على النبى عليه السلام ويمسح وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء وعنه عليه السلام انه امر على بن ابى طالب رضى الله عنه ان يدعو عند ختم القرءآن بهذا الدعاء وهو "اللهم انى اسألك اخبات المخبتين واخلاص الموقنين ومرافقة الابرار واستحقاق حقائق الايمان والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم ووجوب رحمتك وعزائم مغفرتك والفوز بالجنة والخلاص من النار" وفى شرح الجزرى لابن المصنف ينبغى ان يلح فى الدعاء وان يدعو بالامور المهمة والكلمات الجامعة وان يكون معظم ذلك او كله فى امور الآخر وامور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة امورهم فى توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على اعداء الدين وسائر المخالفين وبما كان يقول النبى عليه السلام عند ختم القرءآن "اللهم ارحمنى بالقرءآن العظيم واجعله لى اماما ونورا وهدى ورحمة اللهم ذكرنى منه ما نسيت وعلمنى منه ما جهلت وارزقنى تلاوته آناء الليل واطراف النهار واجعله حجة لى يا رب العالمين" وكان ابو القاسم الشاطبىرحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرءآن اللهم انا عبيدك وأبناء عبيدك وابناء امائك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك او علمته احدا من خلقك او نزلته فى شئ من كتباك او استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القرءآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء احزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا اليك والى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا ارحم الرحمين.
يقول الفقير رافعا يديه الى الرب القدير اللهم انى اعوذ بمعافاتك من عقوبتك واعوذ برضاك من سخطك واعوذ بك منك لا احصى ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك فقد انجزت لى ما وعدتنى انك لا تخلف الميعاد وجعلت رؤياى حقا واحسنت بى اذ أخرجتنى من سجن الهم وخاطبتنى عند ذلك بقولك سل تعط فجعلت منتهى سؤلى رضاك وبشرتنى بقبول خدمتى هذه حيث قلت فتقبلها ربها بقبول حسن وكنت ادعوك باتمام النعمة واكمال المنة فلم اكن بدعائك رب شقيا فأنعم على فيما بقى من عمرى القليل باضعاف ما عودتنى به قبل هذا من انواع آلآئك واصناف نعمائك واختم لى بخير وهدى ونور. وبكل بر وسعادة وسرور وصل على نبيك النبيه الذى هو مفتاح الخيرات. ومصباح السائرين الى منازل القربات فى جنح الاوقات. وعلى آله واصحابه القاده. ومن تبعهم من السادة. وهذا وقد تم تحرير روح البيان.
فى تفسير القرءآن. فى مدة الوحى تقريبا لما ان قسى الاقدار رمتنى الى اقاصى اقطار الارض. وايدى الاسفار النائية تداولتنى من طول الى عرض. حتى اقامنى الله مقام الاتمام. فجاء باذن الله التمام. يوم الخميس الرابع عشر من جمادى الاولى المنتظم فى سلك شهور

سنة سبع عشرة ومائة ألف من هجرة من يرى من قدام وخلف
وقلت فى تاريخه نظماان من من جناب ذى المنن
ختم تفسير الكتاب المستطاب قال فى تاريخه حقى الفقير
حامدا لله قد تم الكتاب وقلت بحساب الحروف المنقوط
وقع الختم بجود البارى

وآخر دعواهم ان الحمد لله رب العالمين.