التفاسير

< >
عرض

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ
١٠٠
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ ورفع ابويه } عند نزولهم بمصر وكانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة وكانوا حين خرجوا منها مع موسى عليه السلام ستمائة الف وخمسمائة وبضعا وتسعين او سبعين رجلا سوى الذرية والهرمى وكانت الذرية الف الف ومائتيى الف { على العرش } وهو السرير الرفيع الذى كان يجلس عليه يوسف وهو بالفارسية [تخت] اى اجلسهما معه على سرير الملك تكرمة لهما فوق ما فعله لاخوته واشتركوا فى دخول دار يوسف لكنهم تباينوا فى الايواء فانفرد الابوان بالجلوس معه على سرير الملك لبعدهما من الجفاء كذا غدا اذا وصلوا الى الغفران يشتركون فيه فى دخول الجنة ولكنهم يتباينون فى بساط القربة فيختص به اهل الصفاء دون من اتصف اليوم بالالتواء

هركسى ازهمت والاى خويش سود برد در خور كالاى خويش

{ وخروا له } [وبروى درافتادند بدر وخاله وبرادران مرورا] { سجدا } حال مقدرة لان السجود بعد الخرور يكون اى حال كونهم ساجدين تحية وتكرمة له فانه كان السجود عندهم جاريا مجرى التحية والتكرمة كالقيام والمصافحة وتقبيل اليد ونحوها من عادات الناس الناشئة فى التعظيم والتوقير والرفع مؤخر عن الخرور اذ السجود له كان قبل الصعود على السرير فى اول الملاقاة لان ذلك هو وقت التحية الا انه قدم لفظا للاهتمام بتعظيمه لهما والترتيب الذكرى لا يجب كونه على وقف الترتيب الوقوعى وليصل به ذكر كونه تعبير الرؤيا.
قال الكاشفى [يوسف كه آن حال مشاهدة نمود اظهار مسرت وبهجت فرمود] { وقال يا ابت } [اى بدر من] { هذا } [اين سجده كردن شمارا] { تأويل رؤياى } التى رأيتها وقصصتها عليك { من قبل } فى زمن الصبى يريد قوله
{ { انى رأيت احد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين } { وقد جعلها ربى حقا } صدقا فى اليقظة واقعا بعينها.
قال بعضهم وقعت رؤيا يوسف بعد اربعين سنة واليها ينتهى الرؤيا.
يقول الفقير فيكون القول بان الاجتماع كان بعد ثمانين سنة مرجوحا.
واعلم ان السبب فى تأخير ظهور المنامات الجيدة وسرعة الرديئة هو آن القدرة الالهية المظهرة لهذه المنامات تعجل البشارة بالخيرات الكامنة قبل اوانها بمدة طويلة لتكون مدة السرور اطول وتؤخر الانذار بالشرور الكامنة الى زمان يقرب من حصولها ليقصر زمان الهم والحزن.
قال الشيخ صدر الدين الفتوى قدس سره فى شرح قوله عليه السلام
"اصدق المنامات ما رؤى فى السحر" اعلم ان السحر هو زمان اواخر الليل واستقبال اول النهار والليل مظهر الغيب والظلمة والنهار هو زمان الكشف والوضوح ومنتهى سير المغيبات والمقدرات الغيبية فى العلم الالهى ثم عاد المعانى والارواح ولما كان زمان السحر هو مبدأ زمان السحر هو مبدأ زمان استقبال كمال الانكشاف والتحقق لزم ان الذى يرى اذ ذاك يكون قريب الظهور والتحقق والى ذلك اشار يوسف بقوله هذا { تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا } اى ما كملت حقية الرؤيا الا بظهورها فى الحس فان فيه ظهر المقصود من تلك الصورة الممثلة واينعت ثمراتها انتهى.
وقال حضرة الشيخ الا كبر قدس سره الاطهر { هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا } اى اظهرها فى الحس بعد ما كانت فى صورة الخيال فقال النبى عليه السلام "الناس نيام" اى جعل النبى عليه السلام اليقظة ايضا نوعا من انواع النوم لغفلة الناس فيها عن المعانى الغيبية والحقائق الالهية كما يغفل النائم عنها فكان قول يوسف { قد جعلها ربى حقا } بمنزلة من رأى فى نومه انه استيقظ من رؤيا رآها ثم ذكرها وعبرها ولم يعلم انه فى النوم عينه ما برح فاذا استيقظ يقول رأيت كذا ورأيت كأنى استيقظت واولتها بكذا هذا مثل ذلك كما قال فى المثنوى

اين جهانرا كه بصورت قائمست كفت بيغنبر كه حلم نائمست
او كمان برده كه ابن دم خفته ام بى خبرزان كوست درخواب دوم

فانظر كم بين ادراك محمد وبين ادراك يوسف عليهما السلام فى آخر امره حين قال { هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربى حقا } معناه ثابتا حسا اى محسوسا وما كان الا محسوسا فان الخيال لا يعطى ابدا الا المحسوسات ليس له غير ذلك فالنبى عليه السلام جعل الصورة الحسية ايضا كالصورة الخيالية التى تجلى الحق والمعانى الغيبية فيها وجعل يوسف الصور الحسية حقا ثابتا والصور الخيالية غير ذلك فصار الحس عنده مجالى للحق والمعانى الغيبية دون الخيال فانظر ما اشرف علم ورثة سيد الانبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه وعليهم اجمعين وهم اى الورثة الاولياء الكاملون المطلعون على هذه الاسرار.
والاشارة ان يعقوب هو الروح وزوجته النفس واولاده اوصاف البشرية والقوى والحواس ويوسف هو القلب والقلب بمثابة العرش وهو على الحقيقة عرش الرحمن والسجدة كانت على الحقيقة لرب العرش لا للعرش وقوله ان شاء الله لانه لا يصل الى مصر حضرة الملك العزيز احد الابجذبة مشيئته وقوله آمنين اى من الانقطاع عن تلك الحضرة فانها منزهة عن الاتصال والانفصال والانقطاع عنها.
فعلى العاقل ان يجتهد فى طريق الوصول الى ان تنفتح بصيرته ويتخلص من الظلمة ولا يقول اين هو كما قال فى المثنوى

اين جهان بر آفتاب ونورماه اوبهشت سرفرو برده بجاه
كه اكر حقست بس كوروشنى سر زجه بردار وبنكراى دنى
جمله عالم شرق وغرب آن نوريافت تاتودر جاهى نخواهد برتوتافت

وصحبة هذا النور انما تحصل بالصبر على المعاصى والشرور واصلاح الطبيعة والنفس بالشريعة والطريقة وحبس الوجود فى ظلمة بيت الخلوة الى اشراق نور الحقيقة ألا ترى الى قول الحافظ الشيرازى

آنكه بيرانه سرم صحبت يوسف بنواخت اجر صبريست كه در كلبه احزان كردم

اللهم اجعلنا من الواصلين { وقد احسن بى } قال فى الكواشى المفعول محذوف تقديره احسن بى صنعه والمشهور استعمال الاحسان بالى وقد يستمل بالباء ايضا كما فى قوله { { وبالوالدين احسانا } والمعنى بالفارسية [وبدرستى كه نيكويى كرده است بمن آفرين كارمن] { اذ اخرجنى من السجن } [جون بيرون آورد مرا اززندان] ولم يذكر الجب لئلا يستحيى اخوته ومن تمام الصفح والعفو ان لا يذكر ما تقدم من الذنب ولانه كان فى السجن مع الكفار وفى الجب مع جبرائيل ولانه كان فى وقت دخول الجب صغيرا ولا يجب الشكر على الصبيان ولان عهده بالسجن اقرب من الجب فلذا ذكره والوجه الاول ارجح وقد سبق مثله فى حق زليخا ايضا حيث قال { { ارجع الى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتى قطعن ايديهن } ولم يذكر زليخا.
قال لقمان رضى الله عنه خدمت اربعة آلاف نبى واخترت من كلامهم ثمانى كلمات. ان كنت فى الصلاة فاحفظ قلبك. وان كنت فى بيت الغير فاحفظ عينيك. وان كنت بين الناس فاحفظ لسانك. واذكر اثنين. وانس اثنين. اما اللذان تذكرهما فالله والموت. واما اللذان تنساهما احسانك فى حق الغير واساءة الغير فى حقك.
وفى التأويلات اخرجنى من سجن الوجود ولهذا لم يقل من الجب جب البشرية ونعمة اخراجه من سجن الوجود اكبر من نعمة اخراجه من جب البشرية { وجاء بكم } [وآورد شمارا] { من البدو } قال فى القاموس والبدو والبادية خلاف الحضر لكون الصحراء بادية على العين اى ظاهرة سميت بها وكانوا اصحاب المواشى والعمد اى الاخبية ينتقلون فى الماء والمرعى.
وقال الكاشقى [وآن موضعى بود اززمين فلسطين درزمين شام كه يعقوب آنجانشستى وآن نزديك كنعان بود يوسف جهت شكر نعمت فرمودكه حق سبحانه وتعالى مرا اززندان تبخت رسانيد وشمارا ازباديه نزديك من آورد تابايكديكر برنشينيم] { من بعد ان نزغ الشيطان بينى وبين اخوتى } اى افسد بيننا وحرش واغرى من نزغ الرائض الدابة اذا نخسها وحملها على الجرى والحركة ولقد بالغ فى الاحسان حيث نسب ذلك الى الشيطان.
يقول الفقير الادب ان يسند الشر الى النفس والشيطال لانهما معدنه ومنشأه وان كان الكل بخلق الله تعالى { ان ربى لطيف لما يشاء } اى لطيف التدبير لاجله رفيق حتى يجيئ على وجه الحكمة والصواب ما من صعب الا وهو بالنسبة الى تدبيره سهل.
وقال فى الكواشى ذو لطف بمن يشاء واللطف الاحسان الخفى.
قال الامام الغزالىرحمه الله انما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها وما دق منها وما لطف ثم يسلك فى ايصالها الى المستصلح سبيل الرفق دون العنف واذا اجتمع الرفق فى الفعل واللطف فى الادراك تم معنى اللطف ولا يتصور كمال ذلك فى العلم والفعل الا لله تعالى وحظ العبد من هذا الوصف الرفق بعباد الله تعالى والتلطف بهم فى الدعوة الى الله والهداية الى سعادة الآخرة من غير ازراء وعنف ومن غير تعصب وخصام واحسن وجوه اللطف فيه الجذب الى قبول الحق بالشمائل والسير المرضية والاعمال الصالحة فانها اوقع والطف من الالفاظ المزينة: وفى المثنوى

بند فعلى خلق را جذابتر كه رسددرجان هربا كوش كر

{ انه هو العليم } بليغ العلم بوجود المصالح والتدابير { الحكيم } الذى يفعل كل شيء على قضية الحكمة وقد سبق فى اوائل هذه السورة سر التقدم والتأخر بين اسمى العليم والحكيم -روى- ان يوسف اخذ بيد يعقوب فطاف به فى خزائنه فادخله فى خزائن الورق والذهب وخزائن الحلى وخزائن الثياب وخزائن السلاح وغير ذلك فلما أدخله القراطيس وهو اول من عملها قال يا بنى ما اعقك عندك هذه القراطيس وما كتبت الىّ على ثمانى مراحل

صد بارشد از عشق توام حال دكر كون يكبار نكفتى فلان حال توجون شد

قال امرنى جبريل قال أو ما تسأله قال انت ابسط اليه منى فاسأله قال جبريل الله امرنى بذلك لقولك اخاف ان يأكله الذئب قال فهلا خفتنى: قال المولى الجامى

زليخا جون زيوسف كام دل يافت بوصل دائمتش آرام دل يافت
تمادى يافت ايام وصالش دران دولت زجل بكذشت سالش
بيايى داد آن نخل برومند بر فرزند بل فرزند فرزند
مرادى درجهان دردل نبودش كه برخوان امل حاصل نبودش

وولد ليوسف من راعيل اى زليخا افراييم وميشا وحمة امرأة ايوب عليه السلام وولد لافراييم نون ولنون يوشع فتى موسى ولما نزل يعقوب فى قصر يوسف جاء اولاد يوسف فوقفوا بين يدى يعقوب ففرح بهم وقبلهم وحدثه يوسف بحديثه مع زليخا وما كان منه ومنها واخبره ان هؤلاء اولاده منها فاستدعاها يعقوب فحضرت وقبلت يده وسألته زليخا ان ينزل عندها فقال لا ارضى بزينتكم هذه ولكن اصنعوا لى عريشا من البردى والقصب مثل عريشى بارض كنعان فصنعوا له عريشا كما اراد ونزل فيه فى اتم سرور وغبطة.
قال السهيلى كان مساكن نبينا صلى الله عليه وسلم مبنية من جريد النخل عليه طين وبعضها من حجارة مرصوصة وسقفها كلها من جريد.
وعن الحسن البصرى كنت وانا مراهق ادخل بيوت ازواج النبى عليه السلام فى خلافة عثمان رضى الله عنه فاتناول سقفها بيدى وهدمها عمر بن عبد العزيز بعد موت ازواجه عليه السلام وادخلها فى المسجد.
قال بعضهم ما رأيت باكيا اكثر من ذلك اليوم وليتها تركت ولم تهدم حتى يقصر الناس عن البناء ويرضون بما رضى الله لنبيه عليه السلام ومفاتيح خزائن الارض بيده عليه السلام اى فان ذلك مما يزهد الناس فى التكاثر والتفاخر فى البنيان وفى الحديث
"ان شر ما ذهب فيه مال المرء المسلم البنيان"
وكتب بهلول على حائط من حيطان قصر عظيم بناه اخوه الخليفة هارون يا هارون رفعت الطين ووضعت الدين رفعت الجص ووضعت النص ان كان من مالك فقد اسرفت ان الله لا يحب المسرفين وان كان من مال غيرك ظلمت ان الله لا يحب الظالمين