التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ يٰبَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَٱدْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ
٦٧
-يوسف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقال } يعقوب ناصحا لبنيه لما ازمع على ارسالهم جميعا { يا بنى لا تدخلوا } مصر { من باب واحد } وكان لها اربعة ابواب { وادخلوا من ابواب متفرقة } اى من طرق شتى وسكك مختلفة مخافة العين فان العين والسحر حق اى كائن اثرهما فى المعين والمسحور وصاهم بذلك فى هذه الكرة لانهم كانوا ذوى جمال وهيئة حسنة مشتهرين فى مصر بالقربة عند الملك فخاف عليهم ان دخلوا جماعة واحدة ان يصابوا بالعين ولم يوصهم فى الكرة لانهم كانوا مجهولين حينئذ مغمورين بين الناس غير متجملين تجملهم فى الثانية وكان الداعى اليها خوفه على بنيامين [در لطائف آورده كه يعقوب در اول مهر بدرى بيدا كرد وآخر عجز بندكى آشكار كرد كه كفت] { وما اغنى عنكم } اى لا انفعكم ولا ادفع عنكم بتدبيرى { من الله } وقضائه { من } من رائدة لتأكيد النفى { شيء } اى شيئا فان الحذر لا يمنع القدر

من جهد همى كنم قضا ميكويد بيرون زكفايت توكار دكرست

ولم يرد به الغاء الحذر بالمرة كيف لا وقد قال تعالى { { ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة } وقال { { خذوا حذركم } بل اراد بيان ان ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة بل هو تدبير فى الجملة وانما التأثير وترتب المنفعة عليه من العزيز القدير وان ذلك ليس بمدافعة للقدر بل هو استعانة بالله وهرب منه اليه { ان الحكم } اى ما الحكم مطلقا { الا الله } لا يشاركه احد ولا يمانعه شيء فلا يحكم احد سواه بشيء من السوء وغيره { عليه } لا على احد سواه { توكلت } فى كل ما آتى واذر. وفيه دلالة على ان ترتيب الاسباب غير مخل بالتوكل { وعليه } دون غيره { فليتوكل المتوكلون } الفاء لافادة التسبب فان فعل الانبياء سبب لان يقتدى بهم.
قال سهل بن عبد الله التسترى قدس سره للعباد على ثلاثة اشياء تكليفهم وآجالهم والقيام بامرهم ولله على العباد ثلاثة التوكل عليه واتباع نبيه والصبر على ذلك الى الموت. ومعنى ذلك ان الثلاثة الاول دخول العبد فيها تكلف اذ لا يتصور وجودها بسبب منه ولا يجب على الله شيء. والثلاثة الاخر لا بد من قيام العبد بها اذ لا بد من تسببه فيها. واعلم انه قد شهدت باصابة العين تجاريب العلماء من الزمن الاقدم وتطابق السنة الانبياء على حقيتها: قال الكمال الجندى

عقل باطل شمردجشم توهر خون كه كند ظاهرا بى خبر ازنكته العين حقست

وفى الحديث "ان العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر" وعن على رضى الله عنه "ان جبريل اتى النبى صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتما فقال يا محمد ما هذا الغم الذى اراه فى وجهك فقال الحسن والحسين اصابهما عين فقال يا محمد صدقت فان العين حق وتحقيقه ان الشيء لا يعان الا بعد كماله" وكل كامل فانه يعقبه النقص بقضاء ولما كان ظهور القضاء بعد العين اضيف ذلك اليها فالتأثير الحاصل عقبيه هو فعل الله على وفق اجراء عادته اذلا تأثير للعين حقيقة على ماهو مذهب اهل السنة. وقال بعضهم تأثير المؤثر فى غيره لا يجب ان يكون مستندا الى القوى الجسمانية بل قد يكون التأثير نفسانيا محضا ويدل عليه ان اللوح الذى يكون قليل العرض اذا كان موضوعا على الارض يقدر الانسان على المشى عليه ولو كان موضوعا فيما بين جدارين عاليين يعجز عن المشى عليه وما ذلك الا لان خوفه من السقوط يوجب سقوطه منه فعلمنا ان التأثيرات النفسانية موجودة من غير ان يكون للقوى الجسمانية مدخل لها وايضا اذا تصور الانسان كون فلان مؤذيا له حصل فى قلبه غضب يسخن بذلك مزاجه جدا فمبدأ تلك السخونة ليس الاذاك التصور النفساني ولان مبدأ الحركات البدنية ليس الا التصورات النفسانية فلما ثبت ان تصور النفس يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد ايضا ان يكون بعض النفوس بحيث تتعدى تأثيراتيها الى سائر الابدان فثبت انه لا يمتنع فى العقل ان يكون بعض النفوس مؤثرا في سائر الابدان فان جواهر النفس مختلفة بالماهية فجاز ان يكون بعض النفوس بحيث يؤثر فى تغيير بدن حيوان آخر بشرط ان يراه ويتعجب منه. وقال بعضهم وجه اصابة العين ان الناظر اذا نظر على شىء واستحسنه ولم يرجع الى الله والى رؤية صنعه قد يحدث الله فى المنظور علة بجناية نظره على غفلة ابتلاء من الله لعباده ليقول المحق انه من الله وغيره من غيره فيواخذ الناظر لكونه سببا. وقال بعضهم صاحب العين اذا شاهد الشىء واعجب به كانت المصلحة له فى تكليفه ان يغير الله ذلك الشىء حتى لا يبقى قلب المكلف متعلقا به. وقال بعضهم لا يستبعد ان ينبعث من عين بعض الناس جواهر لطيفة غير مرئية فتتصل بالمعين فيتضرر بالهلاك والفساد كما قيل مثل ذلك في بعض الحيات فان من انواع الافاعى ما اذا وقع بصرها على عين انسان مات من ساعته والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسيمة بل بعضها بالمقابلة والرؤية وبعضها لا يحتاج الى المقابلة بان يتوجه الروح اليه ونحوه. ومن هذا القبيل شر الحسود المستعاذ منه حتى قال بعضهم ان بعض العائنين لا يتوقف عينهم على الرؤية بل ربما يكون اعمى فيوصف له الشئ فتؤثر نفسه فيه بالوصف من غير رؤية. قال القزويني ويختص بعض النفوس من الفطرة بامر غريب لا يوجب مثله لغيرها كما ذكر ان فى الهند قوما ما اذا اهتموا بشئ اعتزلوا عن الناس وصرفوا همتهم الى ذلك الشئ فيقع على وفق اهتمامهم. ومن هذا القبيل ذكر ان السلطان محمود غزا بلاد الهند وكانت فيها مدينة كلما قصدها مرض فسأل عن ذلك فقيل له ان عندهم جمعا من الهند اذا صرفوا همتهم الى ذلك يقع المرض على وفق مااهتموا فاشار اليه بعض اصحابه بدق الطبول ونفخ البوقات الكثيرة لتشويش همتهم ففعل ذلك فزال المرض واستخلصوا المدينة فهذا تاثير الهمة. واما تأثير المحبة فقد حكى ان بعض الناس كان يهوى شابا يلقب ببدر الدين فاتفق انه توفى فى ليلة البدر فلما اقبل الليل وتكمل البدر لم يتمالك محبة رؤيته من شدة الحزن وانشد يخاطب البدر.

شقيقك غيب فى لحده وتطلع يا بدر من بعده
فهلا خسفت وكان الخسوف لباس الحداد على فقده

فخسف القمر من ساعته فانظر الى صدق هذه المحبة وتأثيرها فى القمر وصدق من قال ان المحبة مغناطيس القلوب وتأثير الارواح فى الاجسام امر مشاهد محسوس فالتأثير للارواح ولشدة ارتباطها بالعين نسبت اليها. قال بعض الحكماء ودليل ذلك ان ذوات السموم اذا اقتلت بعد لسعها خف اثر لسعها لان الجسد تكيف بكيفية السم وصار قابلا للانحراف فما دامت حية فان نفسها تمده بامتزاج الهواء بنفسها وانتشاق الملسوع به وهذا مشاهد ولا اقول ان خاصية قتلها منحصرة فيها فقط بل هى احدى فوائدها المنقولة عنها واصل ذلك كله من اعجاب العائن بالشئ فيتبعه كيفية نفسه الخبيثة فيستعين على تنفيذ سميتها بعينه وقد يعين الرجل نفسه بغير ارادة منه وهذا اردى ما يكون. وينبغى ان يعلم ان ذلك لا يختص بالانس بل قد يكون فى الجن ايضا وقيل عيونهم انفذ من اسنة الرماح. وعن ام سلمة رضى الله عنها ان النبى عليه السلام رأى فى بيتها جارية وفى وجهها صفرة فقال استرقوا لها فان بها النظرة واراد بها العين اصابتها من الجن. قال الفقهاء من عرف بذلك حبسه الامام واجرى له النفقة الى الموت فلما كان اصل ذلك استحسانه. قال عثمان رضى الله عنه لما رأى صبيا مليحا دسموا نونته لئلا تصيبه العين اى سودوا نقرة ذقته . قالوا ومن هذا القبيل نصب عظام الرؤس فى المزارع والكروم ووجهه ان النظر الشؤم يقع عليه اولا فتكسر سورته فلا يظهر اثره وقد جعل الله لكل داء دواء ولكل شئء ضدا فالدعوات والانفاس الطيبة تقابل الاثر الذى حصل من النفوس الخبيثة والحواس الفاسدة فتزيله - "وروى - عن عبادة بن الصامت رضى الله عنه قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى اول النهار فرأيته شديد الوجع ثم عدت اليه آخر النهار فرأيته معافى فقال ان جبريل عليه السلام اتانى فرقانى وقال بسم الله ارقيك من كل شئ يؤذيك ومن كل عين وحاسد الله يشفيك قال عليه السلام فافقت" وفيه وفيما ذكر من حديث ام سلمة دلالة على جواز الاسترقاء وعليه عامة العلماء هذا عذا كانت الرقى من القرآن او الاذكار المعروفة اما الرقى التي لا يعرف معناها فمكروهة. وعن عائشة رضى الله عنها انها قالت له صلى الله عليه وسلم "هلا تنشرت" اى تعلمت النشرة وهى الرقية. قال بعضهم وفيه دليل على عدم كراهية استعمال النشرة حيث لم ينكر عليه السلام ذلك عليها وكرهها جمع واستدلوا بحديث فى سنن ابى داود مرفوعا "النشرة من عمل الشيطان" وحمل ذلك على النشرة التي تصحبها العزائم المشتملة على الاسماء التي لا تفهم كما قال المطرزى فى المغرب. انما تكره الرقية اذا كانت بغير لسان العرب ولا يدرى ما هو ولعله يدخل فيه سحرا وكفرا. واما ما كان من القرآن وشئ من الدعوات فلا بأس به. واما تعليق التعويذ وهو الدعاء المجرب أو الآية المجربة او بعض اسماء الله لدفع البلاء فلا باس به ولكن ينزعه عند الخلاء والقربان الى النساء كذا في التتار خانية وعند البعض يجوز عدم النزع اذا كان مستورا بشئ والاولى النزع. وكان عليه السلام يعوذ الحسن والحسين رضى الله عنهما فيقول "اعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة فعوذوا بها اولادكم فان ابراهيم كان يعوذ بها اسماعيل واسحاق" رواه البخارى فى صحيحه. وكلمات الله كتبه المنزلة على انبيائه او صفات الله كالعزة والقدرة وغيرهما وكونها تامة لعرائها عن النقص والانفصام. وكان احمد بن حنبل يستدل بقوله بكلمات الله التامة على ان القرآن غير مخلوق ويقول ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق وما من كلام مخلوق الا وفيه نقص فالموصوف منه بالتمام غير مخلوق وهو كلام الله تعالى. يقول الفقير جاءت الاستعاذة بمخلوق فى قول على رضى الله عنه اذا كنت بواد تخاف فيه السبع فقل اعوذ بدانيال وبالجب من شر الاسد وذلك ان دانيال لما ابتلى بالسباع كما ذكرناه عند قوله تعالى { فالله خير حافظا وهو ارحم الراحمين } جعل الله الاستعاذة به فى ذلك تمنع شر الذى لا يستطاع كما فى حياة الحيوان. قال بعضهم هذا مقام من بقى له التفات الى غير الله فاما من توغل فى بحر التوحيد حيث لا يرى فى الوجود الا الله لم يستعذ الا بالله ولم يلتجئ الا الى الله والنبى عليه السلام لما ترقى عن هذا المقام قال "اعوذ بك منك". والهامة احدى الهوام وهى حشرات الارض. وقال الخطابى ذوات السموم كالحية والعقرب ونحوهما واما حديث ابن عجرة "أيؤذيك هوام رأسك" فالمراد بها القمل على الاستعارة. واللامة الملمة من المت به اى نزلت وجيئ على فاعلة ولم يقل ملمة للازدواج بهامة ويجوز ان يكون على ظاهرها بمعنى جامعة للشر على المعيون من لمه يلمه اذا جمعه يقال ان دراك تلم الناس اي تجمعهم. وفى الفتوحات المكية ان التأثير الحاصل من الحروف واسماء الله تعالى من جنس الكرامات اي اظهار الخواص بالكرامة فان كل احد لا يقدر استخراج خواص الاشياء. وعن عائشة رضى الله عنها يؤمر العائن ان يتوضأ ثم يغتسل منه المعين وهو الذى اصيب بالعين. وعن الحسن دواء اصابة العين ان تقرأ هذه الآية { { وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون انه لمجنون وما هو الا ذكر للعالمين } وليس فى الباب انفع من هذه الآية لدفع العين. وعن عائشة رضى الله عنها ان النبي عليه السلام اذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه فقرأ قل هو الله احد والمعوذتين فنفث فيهما ثم يمسح بهما ماس استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه يفعل ذلك ثلاث مرات وقد قيل ان ذلك امان من السحر والعين والهوام وسائر الامراض والجراحات. والسنة لمن رأى شيئا فاعجبه فخاف عليه العين ان يقول ما شاء الله لا قوة الا بالله ثم يبرك عليه تبريكا فيقول بارك الله فيك وعليك. وذكر ان اعجب ما فى الدنيا ثلاثة. البوم لا تظهر بالنهار خوف ان تصيبها العين لحسنها كما قال فى حياة الحيوان ولما تصور فى نفسها انها احسن الحيوان لم تظهر الا بالليل. والثانى الكركى لا يطأ الارض بقدميه بل بأحداهما فاذا وطئها لم يعقد عليها خوف ان تخسف الارض. والثالث الطائر الذى يقف على سوقه فى الماء من الانهار ويعرف بمالك حزين يشبه الكركى لا يشبع من الماء خشية ان يفنى فيموت عطشا. ونظيره ان دودا بطبرستان يكون بالنهار من المثقال الى الثلاثة يضئ فى الليل كضوء الشمع ويطير بالنهار فيرى له اجنحة وهى خضراء ملساء لا جناحين له فى الحقيقة غذاؤه والتراب لم يشبع قط منه خوفا من ان يفنى تراب الارض فيهلك جوعا. يقول الفقير ذلك الطائر وهذا الدود اشارة الى اهل الحرص والبخل من اهل الثروة فانهم لا يشبعون من الطعام بل من الخبز خوفا من نفاذ اموالهم مع كثرتها ونعوذ بالله وقد التقطت الى هنا من انسان العيون وشرح المشارق لابن الملك وشرح الشرعة لابن السيد على انوار المشارق وشرح الطريقة لمحمد الكرديى والاسرار المحمدية ولغة المغرب وحياة الحيوان وشرح الحكم وحواشى ابن الشيخ وحواشى سعد المفتى