التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِى ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
٣
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ وهو الذى } [اوست آن قادر مطلق كه] { مدّ الارض } بسطها طولا وعرضا ووسعها لتثبت عليها الاقدام ويتقلب الحيوان اى انشأها ممدودة لا انها كانت مجموعة فى مكان فبسطها وكونها بسيطة لاينا فى كريتها لان جميع الارض جسم عظيم والكرة اذا كانت فى غاية الكبر كان كل قطعة منها يشاهد كالسطح.
وفى تفسير ابى الليث بسطها من تحت الكعبة على الماء وكانت تكفأ باهلها كما تكفأ السفينة باهلها فارساها بالجبال الثقال.
وفى بعض الآثار ان الله تعالى قبل ان يخلق السموات والارض ارسل على الماء ريحا هفافة فصفقت الريح الماء اى ضرب بعضه بعضا فابرز منه خشفة بالخاء المعجمة وهى حجارة يبست بالارض فى موضع البيت كأنها قبة وبسط الحق سبحانه من ذلك الموضع جميع الارض طولها والعرض فهى اصل الارض وسرتها فى الكعبة وسط الارض المسكونة واما وسط الارض كلها عامرها وخرابها فهى قبة الارض وهو مكان تعتدل فيه الازمان فى الحر والبرد ويستوى الليل والنهار فيه ابدا لا يزيد احدهما على الآخر ولا ينقص واصل طينة رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرة الارض بمكة ولما تموج الماء رمى بتلك الطينة الى محل مدفنه بالمدينة فلذلك دفن عليه السلام فيها.
قال بعضهم الارض مضجعنا وكانت امنا فيها معايشنا وفها نقبر { وجعل فيها رواسى } من رسا الشيء اذا ثبت جمع راسية والتاء للمبالغة كما فى علامة لا للتأنيث اذ يقال جبل راسية. والمعنى وجعل فيها جبالا ثابتة اوتادا للارض لئلا تضطرب فتستقر ويستقر عليها وكان اضطرابها من عظمة الله تعالى قال ابن عباس رضى الله عنهما كان ابو قبيس اول جبل وضع على الارض.
قال فى القاموس ابو قبيس جبل بمكة سمى برجل حداد من مذحج كمجلس لانه اول من بنى فيه وكان يسمى الامين لان الركن كان مستودعا فيه. قل فى انسان العيون وكان اول جبل وضع عليها ابا قبيس وحينئذ كان ينبغى ان يسمى ابا الجبال او ان يكون افضلها مع ان افضلها كما قال السيوطى احد لقوله عليه السلام
"احد يحبنا ونحبه" وهو بضمتين جبل بالمدينة. ذكر اهل الحكمة ان مجموع ما عرف فى الاقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وسبعون جبلا منها ما طوله عشرون فرسخا ومنها مائة فرسخ الى الف فرسخ ويقال ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلا سوى التلول وليس فيها جبل الا وله عروق من جبل قاف فاذا اراد الله تعالى ان يزلزل الارض اوحى الى جبل قاف فيحرك ذلك العرق من الجبل فتزلزل: وفى المثنوى

رفت ذو القرنين سوى كوه قاف ديدكه را كز زمرد بود صاف
كرد عالم حلقه كشته او محيط ماند حيران اندران خلق بسيط
كفت تو كوهى دكرها جبستند كه به بيش عظم توباز ايستند
كفت ركهاى منند آن كوهها مثل من نبود در حسن وبها
من به شهرى ركى دارم نهان برعروقم بسته اطراف جهان
حق جو خواهد زلزلة شهرى مرا كويد ام من برجهانم عرق را
بس بجنبانم من آن رك را بقهر كه بدان رك متصل كشتست شهر
جون بكويدبس شود ساكن ركم اسكتم وز روى فعل اندرتكم
همجو مرهم ساكن وبس كاركن جون خردسا كن و زوجنبان سخن
نزد انكس كه نداند عقلش اين زلزله هست از يخارت زمين

{ وانهارا } جارية ضمها الى الجبال وعلق بهما فعلا واحدا من حيث ان الجبال اسباب لتولدها وذلك ان الحجر جسم صلب فاذا تصاعدت الابخرة من قعر الارض ووصلت الى الجبل احتبست هناك فلا تزال تتزاحم وتتضاف حتى تحصل بسبب الجبل مياه عظيمة ثم انها لكثرتها وقوتها تنقب الجبل وتخرج وتسيل على وجه الارض وفى الملكوت ان الله يرسل على الارض الثلوج والامطار فتشربها الارض حتى يعدلها فى طبعها ومشربها فتصير عيونا فى عروق الارض ثم تنشق الارض عنها فى المكان الذى يؤمر بالانشقاق فيه فتظهر على وجه الارض منفعة للخلائق والملك الموكل بذلك ميكائيل واعوانه.
ومن الانهار العظيمة الفرات وهو نهر الكوفة ودجلة وهو نهر بغداد وسيحان بفتح السين المهملة نهر المصيصة وسيحون وهو نهر بالهند وجيحان بفتح الجيم نهر اذنه فى بلاد الارمن وجيحون وهو نهر بلخ والنيل وهو نهر مصر.
يقال ان واحدا من الملوك جمع قوما وهيا لهم السفن ومكنهم من زاد سنة وامرهم ان يسيروا فى النيل حتى يقفوا على آخره فخرجوا ستة اشهر ولم يصلوا الى آخره الا انهم رأوا هناك قبة فيها خلق على صورة الآدميين خضر الابدان فاصطادوا منه ليحملوه فلم يزل يضطرب عليهم حتى مات فعالجوه وملحوه واحتملوه ليراه الناس.
وفى الواقعات المحمودية ان ذا القرنين طلب رأس النيل فلم يجد - وحكى - انهم وصلوا الى جبل فكل من نظر وراءه لم يأت فربطوا فى وسط شخص حبلا فبعد ان نظر جبوه وسألوا منه فلم ينطق حتى مات.
قال بعضهم لولا دخول بحر النيل فى الملح الذى يقال له البحر الاخضر قبل ان يصل الى بحيرة الزنج ويختلط بملوحته لما قدر احد على شربه بشدة حلاوته ولذا يقال ان النيل نهر العسل فى الجنة ومن الانهار نهر ارس كما قال الشاعر

ارس را در بيابان جوش باشد بدريا جون رسد خاموش باشد

{ ومن كل الثمرات } متعلق بقوله { جعل فيها زوجين اثنين } اثنين تأكيد للزوجين كما هو دأب العرب فى كرمهم اى وخلق فيها من جميع انواع الثمرات زوجين زوجين كالحلو والحامض والاسود والابيض والاصفر والاحمر والصغير والكبير { يغشى الليل النهار } اى يجعل الليل غاشيا يغشى النهار بظلمته فيذهب بنور النهار اى يجعله مستورا بالليل ويغطيه بظلمته ولم يذكر العكس اكتفاء باحد الضدين.
قال البيضاوى يلبسه مكانه فيصير الجوّ مظلما بعد ما كان مضيئا يعنى ان الاغشاء الباس الشيء الشيء ولما كان الباس الليل النهار وتغطية النهار به غير معقول لانهما متضادتان لا يجتمعان واللباس لا بد ان يجتمع مع اللابس قدر المضاف وهو مكانه ومكان النهار هو الجو وهو الذى يلبس ظلمة الليل شبه احداث الظلمة فى الجو الذى هو مكان الضوء بالباسها اياه وتغطيته بها فاطلق عليه اسم الاغشاء والالباس فاشتق منه لفظ يغشى فصار استعارة تبعية { ان فى ذلك } اى فى كل من الارض والجبال والانهار والثمار والملوين { لآيات } تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره.
اما فى الارض فمن حيث هى ممدودة مدحوة كالبساط لما فوقها وفيها المسالك والفجاج للماشين فى مناكبها وغير ذلك مما فيها من العيون والمعادن والدواب مثلا.
واما الجبال فمن جهة رسوها وعلوها وصلابتها وثقلها وقد ارسيت الارض بها كما يرسى البيت بالاوتاد.
واما الانهار فحصولها فى بعض جوانب الجبال دون بعض لا بد ان يستند الى الفاعل المختار الحكيم.
واما الثمار فالحبة اذا وقعت فى الارض واثرت فيها نداوة الارض ربت وكبرت وبسبب ذلك ينشق اعلاها واسفلها فتخرج من الشق الاعلى الشجرة الصاعدة وتخرج من الشق الاسفل العروق الغائضة فى اسفل الارض وهذا من العجائب لان طبيعة تلك الحبة واحدة وتأثير الطبائع والافلاك والكواكب فيها واحد ثم انه خرج من احد جانبى تلك الحبة جرم صاعدا الى الهواء ومن الجانب الآخر منها جرم غائص فى الارض ومن المحال ان يتولد من طبيعة واحدة طبيعتان متضادتان فعلمنا ان ذلك انما كان بسبب تدبير المدبر الحكيم ثم ان الشجرة النابتة من تلك الحبة بعضها يكون خشبا وبعضها يكون ثمرة ثم ان تلك الثمرة ايضا يحصل فيها اجسام مختلفة الطبائع فالجوز له اربعة انواع من القشور قشره الاعلى وتحته القشرة الخشبية وتحته القشرة المحيطة باللب وتحت تلك القشرة قشرة اخرى فى غاية الرقة تمتاز عما فوقها حال كون الجوز واللوز رطبا وايضا قد يحصل فى الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة فالعنب مثلا وعجمه باردان يابسان ولحمه وماؤه حاران رطبان فتولد هذه الطبائع المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوى تأثيرات الطبائع وتأثيرات الانجم والافلاك لا بد وان يكون لاجل تدبير الحكيم القدير. واما الملوان فلا يخفى ما فى اختلافهما ووجودهما من الاية اى الدلالة الواضحة { لقوم يتفكرون } فيستدلون والتفكر تصرف القلب فى طلب معانى الاشياء وكما ان فى العالم الكبير ارضا وجابلا ومعادن وبحارا وانهارا وجداول وسواقى فكذلك فى الانسان الذى هو العالم الصغير مثله فجسده كالارض وعظامه كالجبال ومخه كالمعادن وجوفه كالبحر وامعاؤه كالانهار وعروقه كالجداول وشحمه كالطين وشعره كالنبات ومنبت الشعر كالتربة الطيبة وانسه كالعمران وظهره كالمفارز ووحشته كالخراب وتنفسه كالرياح وكلامه كالرعد واصواته كالصواعق وبكاؤه كالمطر وسروره كضوء النهار وحزنه كظلمة الليل ونومه كالموت ويقظته كالحياة وولادته كبدء سفره وايام صباه وشبابه كالصيف وكهولته كالخريف وشخيوخته كالشتاء وموته كانقضاء مدة سفره والسنون من عمره كالبلدان والشهور كالمنازل والاسابيع كالفراسخ وايامه كالاميال وانفاسه كالخظى فكلما تنفس نفسا كان يخطو خطوة الى اجله فلا بد من التفكر فى هذه الامور.
ويقال اخلاق الابدال عشرة اشياء. سلامة الصدور. وسخاوة فى المال. وصدق اللسان. وتواضع النفس. والصبر فى الشدة. والبكاء فى الخلوة. والنصيحة للخلق. والرحمة للؤمنين، والتفكر فى الاشياء، وعبرة من الاشياء
"وعن النبى عليه السلام انه مر على قوم يتفكرون فقال لهم تفكروا فى الخلق ولا تتفكروا فى الخالق" كذا فى تنبيه الغافلين: وفى المثنوى

بى تعلق نيست مخلوقى بدو آن تعلق هست بيجون اى عمو
اين تعلق را خرج جون ره برد بسته وصلست وفصلست اين خرد
زين وصيت كرد مارا مصطفى بحث كم جوئيد درذات خدا
آنكه درذاتش تفكر كرد نيست در حقيقت آن نظر درذات نيست
هست آن بندار اوزيرا براه صد هزاران برده آمد تا اله
هريكى دربرده موصول جوست وهم او آنست كان خود عين هوست
بس بيمبر دفع كرد اين وهم ازو تانباشد درغلط سودا بز او