التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ وَاقٍ
٣٧
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ وكذلك } اى وكما انزلنا الكتاب على الانبياء بلغة اممهم كما قال { { كذلك ارسلناك فى امة } او مثل هذا الانزال المشتمل على اصول الديانات المجمع عليها كما هو المشهور فى مثله { انزلناه } يعنى القرآن { حكما } يحكم فى كل شيء يحتاج اليه العباد على مقتضى الحكمة والصواب. فالحكم مصدر بمعنى الحاكم لما كان جميع التكاليف الشرعيه مستنبطا من القرآن كان سببا للحكم فاسند اليه الحكم اسنادا مجازيا ثم جعل نفس الحكم على سبيل المبالغة ويقال حكما اى محكما لا يقبل النسخ والتغيير { عربيا } مترجما بلسان العرب ليسهل لهم فهمه وحفظه وانتصاب حكما على انه حال موطئة وعربيا صفته والحال الموطئة اسم جامد موصوف بصفة هى الحال فكأن الاسم الجامد وطأ الطريق لما هو حال فى الحقيقة لمجيئه قبلها موصوفا بها -روى- ان المشركين كانوا يدعونه عليه السلام الى اتباع ملة آبائهم المشركين وكان اليهود يدعونه الى الصلاة الى قبلتهم اى بيت المقدس بعد ما حول عنها فقال تعالى { ولئن اتبعت اهواءهم } التى يدعونك اليها لتقرير دينهم جعل ما يدعونه اليه من الدين الباطل والطريق الزائغ هوى وهو ما يميل اليه بالطبع وتهواه النفس بمجرد الاشتهاء من غير سند مقبول ودليل معقول لكونه هوى محضا { بعد ما جاءك من العلم } من الدين المعلوم صحته بالبراهين { مالك من الله } من عذابه { من ولى } ينصرك { ولا واق } يحفظك ويمنع عنك العذاب وهذا خطاب له عليه السلام والمراد تحريض امته على التمسك بالدين وتحذيره من التزلزل فانه اذا حذر من كان ارفع منزلة من الكل هذا التحذير كان غيره اولى بذلك اعانك الله واياى فى كل مقام.
فعلى العاقل ان يسلك طريق العبودية الى عالم الربوبية ولا يشرك شيئا من الدنيا والآخرة بل يكون مخلصا فى طلبه ومن اتبع الشرك بعد ما جاءه من العلم وهو طلب الوحدانية ولا واق يقيه من عذاب البعد وحجاب الشركة فى الوجود بالوجود فطريق الخلاص انما هى العبودية.
قال الامام الفخر الرازى فى الكبير وقد بلغ شرف العبودية مبلغا بحيث اختلف العلماء فى العبودية والرسالة المستجمعتين فى المرسلين ايهما افضل فقالوا ان العبودية افضل واستدلوا عليه بانه بالعبودية ينصرف من الخلق الى الحق وبالرسالة ينصرف من الحق الى الخلق والعبودية ان يكل اموره الى سيده فيكون هو المتكفل تعالى باصلاح مهامه والرسالة التكفل بمهام الامة وشتان ما بينهما هذا آخر كلامه.
والعبودية هى مقام الجمع والرسالة مقام التفرقة انظر الى النبى صلى الله عليه وسلم كان فى تمحض عبوديته مع ربه كما اخبر عنه
"ابيت عند ربى وهو يطعمنى ويسقينى" وفى حال رسالته يقول "كلمينى يا حميراء" لينقطع من الحق الى الخلق وكفى شرفا تقديم العبد على الرسول فى اشهد ان محمدا عبده ورسوله.
وفى العبودية معنى الكرامة والتشريف كما قال
{ { ان عبادى ليس لك عليهم سلطان } : قال الحافظ

كدايئ درجانان بسلطنت مفروش كسى ز سايه اين در بآفتاب رود

وعن على رضى الله عنه كفانى شرفا ان تكون لى ربا وكفانى عزا ان اكون لك عبدا وكما ان الله تعالى هو خالق العبد فكذا لا جاعل للعبد عبدا وذلك برفع هواه الا هو ألا ترى الى قوله تعالى { { بل الله يزكى من يشاء ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من احد ابدا لا يمسه الا المطهرون } فان المطهر بالكسر فى الحقيقة هو الله تعالى وما سواه اسباب ووسائط