التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ
٤١
-الرعد

روح البيان في تفسير القرآن

{ أو لم يروا انا نأتى الارض } اى يأتى امرنا ارض الكفرة { ننقصها من اطرافها } حال من فاعل نأتى او من مفعوله اى نفتح ديار الشرك بمحمد والمؤمنين به فما زاد فى بلاد الاسلام باستيلائهم عليها جبرا وقهرا نقص من ديار الكفرة والله تعالى اذا قدر على جعل بعض ديار الكفرة للمسلمين فهو قادر على ان يجعل الكل لهم أفلا يعتبرون { والله يحكم لا معقب لحكمه } محل لا مع المنفى النصب على الحال اى يحكم نافذا حكمه خاليا عن المعارض والمناقض وحقيقته الذى يعقب الشيء بالرد والابطال. والمعنى انه حكم للاسلام بالغلبة والاقبال وعلى الكفر بالادبار والانتكاس وذلك كائن لا يمكن تغييره { وهو سريع الحساب } فيحاسبهم عما قليل فى الآخرة بعد عذاب الدنيا من القتل والاجلاء.
يقول الفقير نقص الارض انما يكون بالفتح المبنى على الامر بالجهاد وانما فرض بالمدينة فالاظهر ان الآية مدنية لا مكية كما لا يخفى وكون السورة مكية لا ينافيه وقد تعرض من ذهب الى كونها مكية لاستثناء آيتين كما اشير اليهما فى عنوان السورة ولم يتعرض لهذه الآية والحق ما قلنا.
وقال بعضهم نقص الارض ذهاب البركة او خراب النواحى او موت الناس او موت العلماء والفقهاء والخيار وفى الحديث
"ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فافتوا بغير علم فضلوا واضلوا" وفى ذكر اذا دون ان اشارة الى انه كائن لا محالة بالتدريج.
وقال سلمان رضى الله عنه لا يزال الناس بخير ما بقى الاول حتى يتعلم الآخر فاذا هلك الاول ولم يتعلم الآخر هلك الناس.
وقال ابن المبارك ما جاء فساد هذه الامة الا من قبل الخواص وهم خمسة العلماء والغزاة والزهاد والتجار والولاة اما العلماء فهم ورثة الانبياء واما الزهاد فعماد الارض واما الغزاة فجند الله فى الارض واما التجار فامناء الله فى الامة واما الولاة فهم الرعاة فاذا كان العالم للدين واضعا وللمال رافعا فبمن يقتدى الجاهل واذا كان الزاهد فى الدنيا راغبا فبمن يقتدى التائب واذا كان الغازى طامعا فكيف يظفر بالعدو واذا كان التاجر خائنا فكيف تحصل الامانة واذا كان الراعى ذئبا فكيف تحصل الرعاية

نكند جور يبشه سلطانى كه نيايد ذكرك جوبانى

والاشارة { أو لم يروا انا نأتى الارض } البشرية { ننقصها من اطرافها } من اوصافها بالازدياد فى اوصاف الروحانية وارض الروحانية ننقصها من اخلاقها بالتبديل بالاخلاق الربانية وارض العبودية ننقصها من آثار الخليقة باظهار انوار الربوبية { والله يحكم } من الازل الى الابد { لا معقب } لا مقدم ولا مؤخر ولا مبدل { لحكمه وهو سريع الحساب } فيما قدر ودبر وحكم فلا يسوغ لاحد تغيير حكم من احكامه