التفاسير

< >
عرض

يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ
٢٧
-إبراهيم

روح البيان في تفسير القرآن

{ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } هو كلمة التوحيد لانها رساخة فى قلب المؤمن كما قال الكاشفى { قول ثابت كلمة لا اله الا الله محمد رسول الله است كه خداى تعالى بران ثابت ميدارد مؤمنانرا] { فى الحيوة الدنيا } اى قبل الموت فاذا ابتلوا ثبتوا ولم يرجعوا عن دينهم ولو عذبوا انواع العذاب كمن تقدمنا من الانبياء والصالحين مثل زكريا ويحيى وجوجيس وشمعون والذين قتلهم اصحاب الاخدود والذين مشطت لحومهم بامشاط الحديد.
قال سعدى المفتى روى ان جرجيس كان من الحواريين علمه الله الاسم الذى يحيى به الموتى وكان رياض الموصل جبار يعبد الصنم فدعاه جرجيس الى عبادة الله وحده فامر به فشدر رجلاه ويداه بامشاط من الحديد فشرح بها صدره ويديه ثم صب عليه ماء الملح فصبره الله تعالى ثم دعا بمسامير من حديد فسمر بها عينيه واذنيه فصبره الله تعالى عليه ثم دعا بحوض من نحاس فأوقد تحته حتى ابيض ثم القى فيه فجعله الله بردا وسلاما ثم قطع اعضاءه اربا اربا فاحياه الله تعالى ودعاهم الى الله تعالى ولم يؤمن الملك فاهلكه الله مع قومه بان قلب المدينة عليهم وجعل عاليها سافلها.
وشمعون كان من زهاد النصارى وكان شجاعا يحارب عبدة الاصنام من الروم ويدعوهم الى الدين الحق وكان يكسر بنفسه جنودا مجندة واحتال عليه ملك الروم بانواع من الحيل ولم يقدر عليه الى ان خدع امرأته بمواعيد فسألته فى وقت خلوة كيف يغلب عليه فقال ان اشد بشعرى فى غير حال الطهارة فانى حينئذ لم اقدر على الحل فاحاطوا به فى منامه وشدوه كذلك والقوه من قصر الملك فهلك.
وفى نفائس المجالس عمدوا الى قتله بالاذية فدعا الله تعالى ان ينجيه من الاعداء فانجاه الله تعالى فاخذ عمود البيت وخر عليهم السقف فهلكوا { وفى الآخرة } اى يثبتهم فى القبر عند سؤال منكر ونكير وفى سائر المواطن والقبر من الآخرة فانه اول منزل من منازل الآخرة { ويضل الله الظالمين } اى يخلق الله فى الكفرة والمشركين الضلال فلا يهديهم الى الجواب بالصواب كما صلوا فى الدنيا { ويفعل الله ما يشاء } من تثبيت اى خلق ثبات فى بعض واضلال اى خلق ضلال فى آخرين من غير اعتراض عليه.
وفى التأويلات النجمية يمكنهم فى مقام الايمان بملازمة كلمة لا اله الا الله والسير فى حقائقها فى مدة بقائهم فى الدنيا وبعد مفارقة البدن يعنى ان سير اصحاب الاعمال ينقطع عند مفارقة الروح عن البدن وسير ارباب الاحوال يثبت بتثبيت الله ارواحهم بانوار الذكر وسيرهم فى ملكوت السموات والارض بل طيرهم فى عالم الجبروت باجنحة انوار الذكر وهى جناحا النفى والاثبات فان نفيهم بالله عما سواه واثباتهم بالله فى الله لا ينقطع ابد الآباد.
والآية دليل على حقيه سؤال القبر وعلى تنعيم المؤمنين فى القبر فان تثبيت الله عبده فى القبر بالقول الثابت هو النعمة كل النعمة.
قال الفقيه ابو الليث قد تكلم العلماء فى عذاب القبر.
فان بعضهم يجعل الروح فى جسده كما كان فى الدنيا ويجلس اى ياتيه ملكان اسودان ازرقان فظان غليظان اعينهما كالبرق الخاطف واصاواتها كالرعد القاصف معهما مرزبة فيقعدان الميت ويسألانه فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك فيقول المؤمن الله ربى والاسلام دينى ومحمد صلى الله عليه وسلم نبى فذلك هو الثبات واما الكافر والمنافق فيقول لا ادرى فيضرب بتلك المرزبة فيصيح صيحة يسمعها ما بين الخافقين الا الجن والانس.
وقال بعضهم يكون الروح بين جسده وكفنه.
وقال بعضهم يدخل الروح فى جسده الى صدره وفى كل قد جاءت الآثار والصحيح ان يقر الانسان بعذاب القبر ولا يشتغل بكيفيته.
وفى اسئلة الحكم الارواح بعد الموت ليس لها نعيم ولا عذاب حسى جسمانى لكل ذلك نعيم او عذاب معنوى حتى تبعث اجسادها فترد اليها فتنعم عند ذلك حسا ومعنى.
ألا ترى الى بشر الحافىرحمه الله لما رؤى فى النوم قيل ما فعل الله بك قال غفر لى واباح لى نصف الجنة يعنى روحه منعمة بالجنة فاذا حشر ودخل الجنة ببدنه يكمل النعيم بالنصف الآخر وهل عذاب القبر دائم او ينقطع فالجواب نوع دائم بدليل قوله تعالى
{ { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا } ونوع منقطع وهو بعض العصاة الذين خفت جرائمهم فيعذب بحسب جرمه ثم يخفف عنه كما يعذب فى النار مدة ثم يزول عنه العذاب وقد ينقطع عنه العذاب بدعاء او صدقة او استغفار او ثواب بحج او قراءة تصل اليه من بعض اقاربه او غيرهم كما فى الفتح القريب وفى الحديث "اللهم انى اعوذ بك من البخل واعوذ بك من الجبن واعوذ بك ان ارد الى ارذل العمر واعوذ بك من فتنة الدجال واعوذ بك من عذاب القبر" "وكان صلى الله عليه وسلم اذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال استغفروا لاخيكم وسلوا له التثبت فانه الآن يسال" "- روى - ان النبى صلى الله عليه وسلم لما دفن ولده ابراهيم وقف على قبره فقال يا بنى القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب انا لله وانا اليه راجعون يا بنى قل الله ربى والاسلام دينى ورسول الله ابى فبكت الصحابة منهم عمر رضى الله عنه حتى ارتفع صوته فالتفت اليه رسول الله فقال ما يبكيك يا عمر فقال يا رسول الله هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم ويحتاج الى تلقين مثلك يلقنه التوحيد فى مثل هذا الوقت فما حال عمر وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم وليس له ملقن مثلك فبكى النبى عليه السلام وبكت الصحابة معه فنزل جبريل بقوله تعالى { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فى الحيوة الدنيا وفى الآخرة } فتلا النبى عليه السلام الآية فطابت الانفس وسكنت القلوب وشكروا الله" .
وقال بعضهم الانبياء والصبيان والملائكة لا يسألون وقد اختص نبينا صلى الله عليه وسلم بسؤال امته عنه بخلاف بقية الانبياء وما ذاك الا ان الانبياء قبل نبينا كان الواحد منهم اذا اتى امته وابوا عليه اعتزلهم وعوجلوا بالعذاب واما نبينا عليه السلام فبعث رحمة بتأخير العذاب ولما اعطاه الله السيف دخل فى دينه مخافة من السيف فقبض الله فتانى القبر ليستخرجا بالسؤال ما كان فى نفس الميت فيثبت المسلم ويزل المنافق.
وفى بعض الآثار يتكرر السؤال فى المجلس الواحد ثلاث مرات وفى بعضها ان المؤمن يسأل سبعة ايام والمنافق اربعين يوما. ولا يسأل من مات يوم الجمعة ليلته من المؤمنين. وكذا فى رجب وشعبان ورمضان وهو بعد العيد فى مشيئة الله تعالى لكن الله تعالى هو اكرم الاكرمين فالظن على انه لا يؤمر بالسؤال كما فى الواقعات المحمودية.
وفى كلام الحافظ السوطى لم يثبت فى التلقين حديث صحيح اوحسن بل حديثه ضعيف باتفاق جمهور المحدثين والحديث الضعيف يعمل به فى فضائل الاعمال.
فعلى العاقل ان يموت قبل ان يموت ويحيى بالحياة الطيبة وذلك بظهور سر الحياة له بتربية مرشد كامل كما قال فى المثنوى

هين كه اسرافيل وقتند اوليا مرده را زيشان حياتست ونما
جانهاى مرده اندر كورتن برجهد زآوازشان اندر كفن
كويداين أوزا زآواهاجداست زنده كردن كار آواز خداست
ما بمرديم وبكلى كاستيم بانك حق آمد همه بر خاستيم
مطلق ان أواز خودازشه بود كرجه از حلقوم عبد الله بود
كفت اورامن زبان وحشم تو من حواس ومن رضا وخشيم تو
روكه بى يسمع وبى يبصر توئى سر توئى جه جاى صاحب سر توئى
جون شدى من كان لله ازوله حق ارلباشد كه كان الله له
كه توئى كويم تراكاهى منم خرجه كوئى آفناب روشنم
هركجا تابم زمشكات دمى حل شد آنجا مشكلات عالمى
ظلمتى راكافتا بش برنداشت ازدم كردد آن ظلمت جوجاشت

وكما ان لانفاس الاولياء بركة ويمنا للاحياء فكذا للاموات حين التلقين فانه فرق بين تلقين الغافل الجاهل وبين تلقين المتنقط العالم بالله نسأل الله تعالى ان يثبتنا واياكم على الحق المبين الى ان يأتى اليقين ويجعلنا من الصديقين الذين يتمكنون فى مقام الامن عند خوف اهل التلوين