التفاسير

< >
عرض

وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَٱصْفَحِ ٱلصَّفْحَ ٱلْجَمِيلَ
٨٥
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ
٨٦
وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ ٱلْمَثَانِي وَٱلْقُرْآنَ ٱلْعَظِيمَ
٨٧
-الحجر

روح البيان في تفسير القرآن

{ وما خلقنا السموات والارض وما بينهما } اى بين جنسى السموات والارضين ولو اراد بين اجزاء المذكور لقال بينهن.
وفيه اشارة الى ان اصل السموات واحدة عند بعضهم قم قسمت كذا فى الكواشى { الا بالحق } اى الا خلقا ملتبسا بالحق والحكمة لا باطلا وعبثا او للحق والباء توضع موضع اللام يعنى لينظر عبادى اليهما فيعتبروا

دوجشم ازبى صنع بارى نكوست زعيب برادر فرو كير ودوست
در معرفت ديده آدميست كه بكشوده بر آسمان وزميست

{ وان الساعة } اى القيامة لتوقعها كل ساعة كما فى المدارك.
وقال ابن ملك هى اسم لوقت تقوم فيه القيامة سمى بها لانها ساعة خفيفة يحدث فيها امر عظيم.
وقال ابن الشيخ سميت الساعة ساعة لسعيها الى جانب الوقوع ومسافتها الانفاس { لآتية } لكائنة لا محالة كما قيل [كرجه قيامت دير آمد ولى مى آمد] اى فينتقم الله لك يا محمد فيها من اعدائك وهم المكذبون ويجازيك على حسناتك واياهم على سيآتهم فانه ما خلق السموات والارض وما بينهما الا ليجزى كل محسن باحسانه وكل مسئ باساءته { فاصفح الصفح الجميل } يقال صفح عنه عفا وصفح اعرض وترك اى فاعرض عن المكذبين اعراضا جميلا وتحمل اذيتهم ولا تعجل بالانتقام منهم وعاملهم معاملة الصفوح الحليم.
قال الكاشفى يعنى [عفوكن حق نفس خودرا ودر صدد مكافات مباش].

{ ان ربك } الذى يبلغك الى غاية الكمال { هو الخلاق } لك ولهم ولسائر الموجودات على الاطلاق.
قال الكاشفى [اوست آفريننده خلائق وافلاك نظم خالق افلاك وانجم بر علا مردم وديو وبرى وردغ را]

خالق دريا ودشت وكوه وتيه ملكت او بى حد واولى شبيه
نقش اوكرجست ونقاش من اوست غيرا كردعوى كندا وظلم جوست

{ العليم } [دانا باهل وفاق ونفاق].
وفى الارشاد باحوالك واحوالهم بتفاصيلها فلا يخفى عليه شئ مما جرى بينك وبينهم فهو حقيق بان تكل جميع الامور اليه ليحكم بينهم.
وفى الآية امر بالمخالفة بالخلق الحسن وكان صلى الله عليه وسلم احسن الناس خلقا وارجح الناس حلما واعظم الناس عفوا واسخى الناس كفا.
قال الفضيل الفتوة الصفح عن عثرات الاخوان.
وكان زين العابدين عظيم التجاوز والصفح والعفو حتى انه سبه رجل فتغافل عنه فقال له اياك اعنى فقال وعنك اعرض اشار الى آية خذ العفو وائمر بالعرف واعرض عن الجاهلين.
ولما ضرب جعفر بن سليمان العباسى والى المدينة مالكا رضى الله عنه ونال منه وحمل مغشيا وافاق قال اشهدكم انى جعلت ضاربى فى حل ثم سئل فقال خفت ان اموت والقى النبى صلى الله عليه وسلم واستحيى منه ان يدخل بعض آله النار بسببى.
ولما قدم المنصور المدينة ناداه ليقتص له من جعفر فقال اعوذ بالله والله ما ارتفع منها سوط الا وقد جعلته فى حل لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل الحلم ملح الاخلاق.
وكانت عائشة رضى الله عنها تبكى على جارية فقيل لها فى ذلك فقالت ابكى حسرة على ما فاتنى من تحمل السفه منها والحلم عن سوء خلقها فانها سيئة الخلق.
والاشارة
{ { وما خلقنا السموات والارض وما بينهما الا بالحق } اى لا مظهر الآيات الحق بالحق لارباب الحق المكاشفين بصفات الحق فانه لا شعور للسموات والارض وما بينهما من غير الانسان بانها مظهر لآيات الحق وانما الشعور بذلك للانسان الكامل كما قال { { ان فى خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لاولى الالباب } وهم الذين خلص لب اخلاقهم الربانية من قشر صفاتهم الانسانية وفيه معنى آخر{ وما خلقنا السموات } اى سموات الارواح { والارض } اى ارض الاشباح { وما بينهما } من النفوس والقلوب والاسرار والخفيات { الا بالحق } اى الا بالمظهر الحق ومظهره الانسان فانه مخصوص به من بين سائر المخلوقات والمكونات لانه بجميع مبانيه الظاهرة ومعانيه الباطنة مرآة لذات الحق تعالى وصفاته فهو مظهره عند التزكية والتصفية ومظهره عند التخلية والتحلية لشعوره بذلك كما كان حال من صقل مرآته عن صدأ انانيته وتجلى بشهود هويته عند تجلى ربوبيته بالحق فقال انا الحق ومن قال بعد فناء انانيته عند بقاء السبحانية سبحانى ما اعظم شأنى.
وفى قوله
{ { وان الساعة لآتية } اشارة الى ان قيامة العشق لآتية لنفوس الطالبين الصادقين من اصحاب الرياضات فى مكابدة النفس ومجاهدتها لان الطلب والصدق والاجتهاد من نتائج عشق القلب وانه سيتعدى الى النفس لكثرة الاجتهاد فى رياضتها فتموت عن صفاتها فى قيامة العشق ومن مات فقد قامت قيامته { { فاصفح الصفح الجميل } يا ايها الطالب الصادق عن النفس المرتاضة بان تواسيها وتدارسها ولا تحمل عليها اصرا ولا تحملها ما لا طاقة لها به فان فى قيامة العشق يحصل من تزكية العشق فى لحظة واحدة ما لا يحصل بالمجاهدة فى سنين كثيرة لان العشق جذبة لحق وقال صلى الله عليه وسلم "جذبة من جذبات الحق توازى عمل الثقلين" { ان ربك هو الخلاق العليم } يشير بالخلاق وهو للمبالغة الى انه تعالى خالق لصور المخلوقات ومعانيها وحقائقها العلم بمن خلقه مستعدا لمظهرية ذاته وصفاته ومظهريتهما له شعوره بها كذا فى التأويلات النجمية. { ولقد آتيناك } قال الحسين بن الفضل ان سبع قوافل وافت من بصرى واذرعات ليهود قريظة والنضير فى يوم واحد بمكة فيها انواع من البزوافاويه الطيب والجوهر وامتعة البحر فقالت المسلمون لو كانت هذه الاموال لنا لتقوينا بها وانفقناها فى سبيل الله فانزل الله هذه الآية وقال قد اعطيتكم سبع آيات هى خير لكم من هذه السبع القوافل ويدل على صحة هذا قوله تعالى على اثرها { { لا تمدن عينيك } الآية كما فى اسباب النزول للامام الواحدى [ودر تيسير آورده كه هفت كاروان قريش دريكروز بمكه در آمدند با مطاعم بسيار وملابس بيشمار ودر خاطر مبارك حضرت خطور فرمودكه مؤمنان ران كرسنه وبرهنه كذرانند ومشركانرا اين همه مال باشد] فقال الله تعالى { ولقد آتيناك } يا محمد { سبعا } هى الفاتحة لانها مائة وثلاثة وعشرون حرفا وخمس وعشرون كلمة وسبع آيات بالاتفاق غير ان منهم من عد انعمت عليهم دون التسمية ومنهم من عكس { من المثانى } وهى القرآن ومن للتبعيض كما قال تعالى فى سورة الزمر { { الله نزل احسن الحديث كتابا متشابها مثانى } جمع مثنى لانه ثنى فيه اى كرر فى القرآن الوعد والوعيد والامر والنهى والثواب والعقاب والقصص كما فى الكواشى { والقرآن العظيم } [وديكر داديم ترا قرآن عظيم كه نزد ما قدر او بزرك وثواب او بسيارات] وهو من عطف الكل على البعض وهو السبع ويجوز ان يكون من للبيان فالسبع هى المثانى كقوله { { فاجتنبوا الرجس من الاوثان } يعنى اجتنبوا الاوثان وتسمية الفاتحة مثانى لتكرر قراءتها فى الصلاة ولانها تثنى بما يقرأ بعدها فى الصلاة من السورة والآيات لان نصفها ثناء العبد لربه ونصفها عطاء الرب للعبد ويؤيد هذا الوجه قوله عليه السلام لابى سعد لاعلمنك سورة هى اعظم سورة فى القرآن قال ما هى قال "الحمد لله رب العالمين وهى السبع المثانى والقرآن العظيم الذى اوتيته" وهذا يدل على جواز اطلاق القرآن على بعضه.
قال فى الفتح القريب عطف القرآن على السبع المثانى ليس من باب عطف الشيء على نفسه وانما هو من باب ذكر الشيء بوصفين احدهما معطوف على الآخر اى هى الجامعة لهذين الوصفين.
يقول الفقير لما كانت الفاتحة اعظم ابعاض القرآن من حيث اشتمالها على حقائقه صح اطلاق الكل عليها واما كونها مثانى فباعتبار تكرر كل آية منها فى كل ركعة ولا يبعد كل البعد ان يقال ان تسميتها بالمثانى باعتبار كونها من اوصاف القرآن والجزؤ اذا كان كأنه الكل صح اتصافه بما اتصف به الكل