التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلْدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخَنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١١٥
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ انما حرم عليكم الميتة } اى اكلها وهى ما تلحقه الذكاة. وبالفارسية [مردار] فاللحم القديد المجلوب الى الروم من افلاق حرام لانهم انما يضربون رأس البقر بالمقمعة ولا يذكون { والدم } المسفوح اى المصبوب من العروق واما المختلط باللحم فمعفوا والاولى غسله { ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به } اى رفع الصوت للصنم به وذلك قول اهل الجاهلية باللات والعزى اى انما حرم هذه الاشياء دون ما تزعمون حرمته من البحائر والسوائب ونحوهما وتنحصر المحرمات فيها الا ما ضمه اليها دليل كالسباع والحمر الاهلية - روى - انه عليه السلام نهى عن اكل ذى مخلب من الطيور وكل ذى ناب من السباع - روى - خالد بن الوليد رضى الله عنه انه عليه السلام نهى عن لحوم الخيل والبغال والحمير.
وفيه حجة لابى حنيفة على صاحبيه فى تحليلهما اكل لحوم الخيل وما روياه عن جابر رضى الله عنه انه قال نهى النبى عليه السلام عن لحوم الحمر الاهلية واذن فى لحم الخيل معارض لحديث خالد والترجيح للمحرم كذا فى حواشى الفاضل سنان جلبى.
والاشارة ان الميتة جيفة الدنيا والحيوان هى الدار الآخرة ولو لم يكن للآخرة حباة لكانت جيفة [جيفهرا برى مرد كيش جيفه كويند نى براى بوى زشت وصورت قبيحة] فاعرف: وفى المثنوى

آن جهان جون ذره ذره زنده اند نكته دانند وسخن كوينده اند
ر جهان مرده شان آرام نيست كين علف جز لائق انعام نيست
هر كرا كلشن بود بزم وطن كى خورد او باده اندر كولخن
جاى روح باك عليين بود كرم باشد كش وطن سركين بود

وان الدم شهوات الدنيا. ولحم الخنزير الغيبة والحسد والظلم. وما اهل لغير الله به مباشرة كل عمل مباح لالله وللتقرب اليه بل لهوى النفس وطلب حظوظها كما فى التأويلات النجمية { فمن اضطر } الاضطرار الاحتياج الى الشئ واضطراه اليه احوجه والجأه فاضطر بضم الطاء والضرورة الحاجة.
قال الكاشفى [بس هركه بيجاره شود ومحتاج كردد بخوردن يكى از محرمات] فتناول شيئا من ذلك حال كونه { غير باغ } اى على مضطر آخر بالاستئثار عليه فان هلاك الآخر ليس باولى من هلاكه فهو حال من فعل مقدر كما اشير اليه. والباغى من البغى يقال بغى عليه بغيا علا وظلم { ولا عاد } اى متجاوز قدر الضوررة وسد الجوع يقال عدا الامر وعنه جاوزه { فان الله غفور رحيم } اى لا يؤاخذه بذلك فاقيم سببه مقامه.
قال فى التأويلات النجمية { فمن اضطر } الى نوع منها مثل طلب القوت بالكسب الحلال او التأهل للتوالد والتناسل او الاختلاط مع الخلق للمناصحة والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك من ابواب البرغير معرض عن طلب الحق ولا مجاوز عن حد الطريقة { فان الله غفور } لما اضطروا اليه { رحيم } على الطالبين بان يبلغهم مقاصدهم.
واعلم ان مواضع الضرورة مستثناة ولذا قال فى التهذيب يجوز للعليل شرب البول والدم للتداوى اذا اخبره طبيب مسلم ان شفاءه فيه ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه. واجاز بعضهم استشارة اهل الكفر فى الطب اذا كانوا من اهله كما فى انسان العيون. والاولى التجنب عنه لان المؤمن ولى الله والكافر عدو الله ولا خير لولى من عدو الله فلا بد للمريض من المراجعة الى المجالس واهل الوقوف والتجربة: قال الصائب:

بى دردان علاج دردخون جستن بآن ماند كه خار از بابرون آردكسى بانيش عقربها

وفى الاشباه يرخص للمريض التداوى بالنجاسات وبالخمر على احد القولين واختار قاضيخان عدمه واساغة اللقمة بها اذا غص اتفاقا واباحة النظر للطبيب حتى للعورة والسوءتين انتهى.
قال الفقيه ابو الليثرحمه الله يستحب للرجل ان يعرف من الطب مقدار ما يمتنع به عما يضر ببدنه انتهى.
- روى - عن على كرم الله وجهه انه قال لحم البقر داء ولبنها شفاء وسمنها دواء وقد صح عن النبى عليه السلام انه ضحى عن نسائه بالبقر.
قال الحليمى هذا ليبس الحجاز ويبوسه لحم البقر ورطوبة لبنها وسمنها فكأنه يرى اختصاص ذلك به وهذا التأويل مستحسن والا فالنبى عليه السلام لا يتقرب الى الله تعالى بالداء فهو انما قال ذلك فى البقر كما قال
"عليكم بألبان البقر وسمنانها واياكم ولحومها فان ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء" لتلك اليبوسة. وجوبا آخر انه ضحى بالبقر لبيان الجواز او لعدم تيسر غيره كذا فى المقاصد الحسنة للامام السخاوى.