التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ
٤٨
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
٤٩
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ أو لم يروا } الهمزة للانكار وهى داخلة فى الحقيقة على النفى وانكار النفى نفى له ونفى النفى اثبات. والرؤية هى البصيرة المؤدية الى التفكر والضمير لكفار مكة اى ألم ينظروا ولم يروا { الى ما خلق الله } اى قد رأوا امثال هذه الصنائع فما لهم لم يتفكروا فيه ليظهر لهم كمال قدرته وقهره فيخافوا منه { من شئ } بيان لما الموصولة اى من كل شئ { يتفيؤا ظلاله } اى ترجع شيئًا فشيئًا من جانب الى جانب وتدور من موضع الى موضع حسبما تقتضيه ارادة الخالق فان التفئ مطاوع الافاءة. قال فى تهذيب المصادر التفيء [باز آمدن سايه بعد ازانتصاف النهار] ولا يكون التفيئ الا بالعشى قال الله تعالى { يتفيؤا ظلاله } انتهى.
والظلال جمع الظل وهو بالفارسية [سايه] والجملة صفة لشئ. قال فى الارشاد ولعل المراد بالموصول الجمادات من الجبال والاشجار والاحجار التى لا يظهر لظلالها اثر سوى التفيء بارتفاع الشمس وانحدارها واما الحيوان فظله يتحرك بتحركه. وفى التبيان يريد به الشجر والنبات وكل جسم قائم له ظل { عن اليمين والشمائل } متعلق بيتفيء. والشمائل جمع شمال. وضد اليمين وبالفتح الريح التى مهبها بين مطلع الشمس وبنات نعش او من مطلع النعش الى مسقط النسر الطائر كما فى القاموس اى ألم يروا الاشياء التى لها ظلال متفيئة عن ايمانها وشمائلها اى عن جانبي كل واحد منها وشقيه. وفى التبيان اى فى اول النهار عن اليمين وفى آخره عن الشمال يعنى من جانب الى جانب اذا كنت متوجها الى القبلة استعارة من يمين الانسان وشماله بجانبى الشئ وتوحيد اليمين وجمع الشمائل لان مذهب العرب اذا اجتمعت علامتان فى شىء واحد ان يلغى واحد ويكتفى باحدهما كقوله تعالى
{ وعلى سمعهم وعلى ابصارهم } وقوله تعالى { يخرجهم من الظلمات الى النور } كذا فى الاسئلة المقحمة.
والاشارة ان المخلوقات على نوعين. منها ما خلق من شئ كعالم الخلق وهو عالم الجسام. ومنها ما خلق من غير شئ كعالم الامر وهو عالم الارواح كما قال تعالى
{ ألا له الخلق والامر } وانما سمى عالم الارواح الامر لانه خلقه بامر كن من غير شئ بلازمان كما قال تعالى { خلقتك من قبل ولم تك شيئاً } يعنى خلقت روحك من قبل خلق جسدك ومنه قوله عليه السلام "ان الله خلق الارواح قبل الاجساد بالفى الف عام" كذا فى التأويلات النجمية { سجدا لله } اى حال كون تلك الظلال ساجدين لله دائرين على مراد الله فى الامتداد والتقلص وغيرهما غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيء { وهم داخرون } يقال دخر كمنع وفرع دخورا ودخر صغر وذل وادخره كما فى القاموس وهو حال من الضمير فى ظلاله والجمع باعتبار المعنى اذ المراد ظلال كل شئ وايراد صيغة الخاصة بالعقلاء لان الدخور من خصائصهم او لان من جملة ذلك من يعقل فغلب. والمعنى ترجع الظلال من جانب الى جانب بارتفاع الشمس وانحدارها منقادة لما قدر لها من التفيء والحال من اصحابها من الاجرام داخرة اى صاغرة منقادة لحكمه تعالى ووصفها بالدخور مغن عن الوصف ظلالها به وبعد ما بين سجود الظلال من الاجرام السفلية الثابة في احيازها ودخورها له سبحانه شرع فى بيان سجود الملخوقات المتحركة بالارادة سواء كانت لها ظلال ام لا فقيل { ولله يسجد } اى له تعالى وحده ويخضع وينقاد لا لشيء غيره استقلالا واشتراكا فالقصر ينتظم القلب والافراد { ما فى السموات } من العلويات قاطبة ودخل فيه الشمش والقمر والنجوم { وما فى الارض } كائنا ما كان { من دابة } بيان لما فى الارض فان قوله تعالى { والله خلق كل دابة من ماء } يدل على اختصاص الدابة فما فى الارض لان ما فى السماء لا يخلق بطريق التولد وليس لهم دبيب بل لهم اجنحة يطيرون بها. بقول الفقير الظاهر ان الطيران لا ينافى الدبيب وقد نقل ان فى السماء خلقا يدبون ودبيبه لا يستلزم كونه مخلوقا من الماء المعهود اذ من الماء كل شئ حى فيكون من دابة بيانا لما فى السماء والارض وما عام للعقلاء وغيرهم. وفى الاسئلة المقحمة ان ما لا يعقل اكثر عددا ممن يعقل فغلب جانب ما لا يعقل لانه اكثر عددا { والملائكة } عطف على ما فى السموات عطف جبريل على الملائكة عظيما واجلالا { وهم } اى والحال ان الملائكة مع علو شأنهم{ لا يستكبرون } لا يتعظمون عن عبادته والسجود له بل يتذللون فكل شئ بين يدى صانعه ساجد بسجود يلائم حاله كما ان كل شئ يسبح بحمده تسبيحا يلائم حاله فتسبيح بعضهم بلسان القال وتسبيح بعضهم بلسان الحال والله يعلم لسان حالهم كما يعلم لسان قالهم: وفى المتنوى

جون مسبح كرده هر جيزرا ذات بى تمييز وبا تمييز را
هر يكى تسبيح بر نوع دكر كويد او ازحال آن اين بى خبر
آدمى منكر زتسبيح جماد وان جماد اندر عبادت او ستاد

واعلم ان الله تعالى اعطى لكل شئ من اصناف المخلوقات من الحيوات الى الجمادات سمعا وبصرا ولسانا وفهما به يسمع كلام الحق ويبصر شواهد الحق ويكلم الحق ويفهم اشارة الحق كما اخبر الله تعالى عن حال السموات والارض وهما فى العدم اعطاهما سمعا به سمعنا قوله ائتيا طوعا او كرها واعطاهما فهما به فهمتا كلامه واعطاهما لسانا به قالتا اتينا طائعين فكل شئ يسبح الله بذلك اللسان ويسجد له بذلك الطوع. فمن هذا اللسان الملكوتى معجزة النبى عليه السلام كانت الحصى تسبح فى يده. وكذلك الاحجار الثلاثة كلمت داود عليه السلام واوّبت الجبال معه ولما قال الله تعالى { وان من شئ الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } فلا يبعد ان يسجد لله كل شئ وان لم نفقه سجوده.
قال الكاشفى [درين آيت سجدة بايد كرد واين سجده سوم است از سجدهاى قرآنى. وحضرت شيخ قدس سره در فتوحات اين را سجود عالم بالا وادنا خوانده كه در مقام ذلت وخوف حق را سجده مى كنند بس بنده بايدكه درين محل بدين صفت موسوم شود خودرا بزمره ساجدان كنجايش دهد].