التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ
٨٠
-النحل

روح البيان في تفسير القرآن

{ والله جعل لكم من بيوتكم } المعهودة التى تبنونها من الحجر والمدر وهو تبيين لذلك المجعول المبهم فى الجملة { سكنا } فعل بمعنى مفعول اى موضعا تسكنون فيه وقت اقامتكم. وبالفارسية [آرامكاهى }.
قال فى الكواشى كل ما يسكن اليه او فيه سكن بمعنى مسكن. وفى الواقعات المحمودية للسلوك شروط ثلاثة الزمان والمكان والاخوان. اما الاولان فلانه لا بد من خلو الزمان عن الفترة وكذا المكان. واما الاخوان فلتدارك حوائج السالك لئلا يتقيد بها فلا بد من الشرائط المذكورة لدوام السلوك واستمراره من غير انقطاع انتهى.
والظاهر ان المكان اقدم للسلوك ثم الزمان ثم الاخوان ثم صفاء الخاطر. وفى الاسرار المحمدية الغرض فى المسكن دفع المطر والبرد واقل الدرجات فيه معلوم وما زاد عليه فهو من الفضول والاختصار على الأقل والأدنى يمكن فى الديار الحارة اما فى البلاد الباردة فى غلبة البرد ونفوذه من الجدران الضعيفة حتى كاد يهلك او يمرض فالبناء بالطين واحكامه لا يخرجه عن حد الزاهدين وكذا فى ايام الصيف عند اشتداد الحر واستضرار اولاده بالبيت الشتوى السفلى عدم نفوذ الهواء البارد فيه ومن البراغيث في الليل المزعجات عن النوم وانواع الحشرات فيه فلا جوز حملهم على الزهد بان يتركهم على هذه الحال بل عليه ان يبنى لهم صيفيا علويا لما روينا عن النبى عليه الصلاة والسلام
"من بنى بنيانا فى غير ظلم ولا اعتداء او غرس غراسا فى غير ظلم ولا اعتداء كان له اجرا جاريا ما انتفع به احد من خلق الرحمن" انتهى.
وكتب بهلول على حائط من حيطان قصر عظيم بناه اخوه الخليفة هارون الرشيد يا هارون رفعت الطين ووضعت الدين رفعت الجص ووضعت النص ان كان من مالك فقد اسرفت ان الله لا يحب المسرفين وان كان من مال غيرك ظلمت ان الله لا يحب الظالمين { وجعل لكم من جلود الانعام } [از بوست جهار بايان] جمع نعم بالفتح وهو مخصوص بالانواع الاربعة التى هى الابل والبقر والغنم والمعز { بيوتا } اخر مغايرة لبيوتكم المعهودة وهى الخيام والقباب والاخبية والفساطيط من الانطاع والادم { تستخفونها } تجدونها خفيفة يخف عليكم نقضها وحملها ونقلها { يوم ظعنكم } اى وقت ترحلكم وسفركم { ويوم اقامتكم } وقت نزولكم فى الضرب والبناء { ومن اصوافها واوبارها واشعارها } جمع صوف ووبر وشعر والكنايات راجعة الى الانعام اى وجعل لكم من اصواف الضأن واوبار الابل واشعار المعز { اثاثا } اى متاع البيت مما يلبس ويفرش { ومتاعا } اى شيئًا يمتع به بفنون التمتع { الى حين } الى مدة من الزمان فانها لصلابتها تبقى مدة مديدة. قال الجاحظ اتفقوا على ان الضأن افضل من المعز بدليل الضاحية ويفضل المعز على الضأن لغزارة اللبن وثخانة الجلد وما نقص من الية المعز يزيد فى شحمه ولذلك قالوا زيادة المعز فى بطنه ولما خلق الله جلد الضأن رقيقاً غزر صوفه ولما خلق الله جلد المعز ثخينا قل شعره كذا فى حياة الحيوان فالله تعالى خلق هذه الانعام للانتفاع بجلودها ولحومها واصوافها واوبارها واشعارها ويجوز الانتفاع بشحوم الميتة.
"وعن جابر بن عبد الله انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والاصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام" والاستصباح [جراغ فراكرفتن] وكما ان هذه الحيوانات وما يتبعها ينتفع بها الانسان فى سفره وحضره فكذا القوى الحيوانية والحواس الخمس ينتفع بها السالك في السير الى الله فانها مطية وفى وقت الوقفة للاستراحة والتربية فانها مما لا بد منه لكونها من الاسبابا المعينة: قال الكمال الخجندى.

باكرم روى واقف اين راه جنين كفت آهسته كه اين ره بدويدن نتوان يافت