التفاسير

< >
عرض

وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً
١١
وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً
١٢
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ويدع الانسان بالشر } ويدعو الله عند غضبه بالشر واللعن والهلاك على نفسه واهله وخدمه وماله. والمراد بالانسان الجنس اسند اليه حال بعض افراده او حكى عنه حاله فى بعض احيانه وحذفت واو يدع ويمح وسندع لفظا كياء سوف يؤت الله ويناد المناد وما تغن النذر وصلا لاجتماع الساكنين ووقفا وهى مرادة معنى حملا للوقف على الوصل ولو وقف عليها اضطرار الوقف بلا واو فى ثلاثتها اتباعا للامام كما فى الكواشى { دعاءه بالخير } مثل دعائه بالخير والرزق والعافية والرحمة ويستجاب له فلو استجيب له اذا دعاء باللعن كما يجاب له بالخير لهلك او يدعوه بما يحسبه خيرا وهو شر فى نفسه فينبغى ان يدعو بما هو خير عند الله تعالى لا بما يشتهيه { وكان الانسان } بحسب جبلته { عجولا } يسارع الى طلب ما يخطر بباله ولا ينظر عاقبته ولا يتأنى الى ان يزول عنه ما يعتريه.
قال الكاشفى [تعجيل دارد دار انقلاب ازحالى بحالى نه درسرا تحمل دارد ونه در ضرا نه دركرمان شكيباست ونه درسرما].
واعلم ان الدعاء اما بلسان الحقيقة واما باعتبار السيئة المفضية الى الشر الموجبة له فالانسان عجول قولا وفعلا يتمادى فى الاعمال الموجبة للشر والعذاب وفى الحديث
"المؤمن وقاف والمنافق وثاب" قال آدم عليه السلام لاولاده كل عمل تريدون ان تعملوا فقفوا له ساعة فانى لو وقفت ساعة لم يكن اصابنى ما اصابنى قال اعرابى اياكم والعجلة فان العرب تكنيها ام الندامات: وفى المثنوى

بيش سك جون لقمة ثان افكنى بوكندوا انكه خورد اى مقتنى
او بينى بوكند ما باخرد هم ببو ئيمش بعقل منتقد

قيل العجلة من الشيطان الا فى ستة مواضع اداء الصلاة اذا دخل الوقت ودفن الميت اذا حضر وتزويج البكر اذا ادركت وقضاء الدين اذا وجب واطعام الضيف اذا نزل وتعجيل التوبة اذا اذنب.
ثم شرع فى بيان بعض الهداية التكوينية التى اخبر بها القرآن الهادى فقال { وجعلنا الليل والنهار } قدم الليل لان فيه تظهر غرر الشهور اى جعلنا هما بسبب تعاقبهما واختلافهما فى الطول والقصر { آيتين } دالتين على وجود الصانع القدير ووحدته اذ لا بد لكل متغير من مغير وانما قال وجعلنا الليل والنهار آيتين وقال فى موضع آخر { وجعلنا ابن مريم وامه آية } لان الليل والنهار ضدان بخلاف عيسى ومريم وقيل لان عيسى ومريم كانا فى وقت واحد والشمس والقمر آيتان لانهما فى وقتين ولا سبيل الى رؤيتهما معا { فمحونا آية الليل } الفاء تفسيرية والاضافة بيانية كما فى اضافة العدد ال المعدود اى فمحونا الآية التى هى الليل. والمحو فى الاصل ازالة الشئ الثابت والمراد هنا ابداعها ممحوة الضوء مطموسة كما فى قولهم سبحانه من صغر البعوض وكبر الفيل اى انشأهما كذلك بقرينة ان محو الليل فى مقابلة جعل النهار مضيئا { وجعلنا آي النهار } اى الآية التى هى النهار { مبصرة } مضيئة تبصر فيها الاشياء وصفها بحال اهلها ويجوز ان تكون الاضافة فى المحلين حقيقة فالمراد بآية الليل والنهار والقمر والشمس - روى - ان الله تعالى خلق كلا من نور القمر والشمس سبعين جزأ ثم امر جبريل فمسح بجناحة ثلاث مرات فمحا من القمر تسعة وستين جزأ فحولها الى الشمس ليتميز الليل من النهار اذ كان فى الزمن الاول لا يعرف الليل والنهار فالسواد الذى فى القمر اثر المحو وهذا السواد فى القمر بمنزلة الخال على الوجه الجميل ولما كان زمان الدولة العربية الاحمدية قمريا ظهر عليه اثر السيادة على النجوم وهو السواد لانه سيد الالوان كما ظهر على الحجر المكرم الذى خرج ابيض من الجنة اثر السيادة بمبايعة الانبياء والاولياء عليهم السلام وجعل الله شهورنا قمرية لا شمسية تنبيها من الله للعارفين ان آياتهم ممحوّة من ظواهرهم مصروفة الى بواطنهم فاختصوا من بين جميع الامم الماضية بالتجليات الخاصة.
وقيل فيهم كتب فى قلوبهم الايمان مقابلة قوله فانسلخ منها قال تعالى
{ لا الشمس ينبغى لها ان تدرك القمر } اى فى علو المرتبة والشرف.
قال حضرت شيخى وسندى قدس سره فى كتاب البرقيات بعد تفصيل بديع ثم لآية الليل مرتبة الفرعية والتبعية ولآية النهار مرتبة الاصلية والاستقلالية لان نور القمر مستفاد من نور الشمس ثم سر محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة هو نفى الاستواء واثبات الامتياز حتى يتعين حد المستفيد وطوره بان يكون انزل بحسب الضعف والنقصان وحد المفيد وطوره بان يكون ارفع بحسب القوة والكمال ويرتبط كل منهما بالآخرة من غير تعد وتجاوز عن حده وطوره بل عرف كل قدره لزوم مقامه حتى يطرد النظام والانتظام ويستمر القيام والدوام من غير خلل واختلال ثم هذا السر اشارة الى سرأن لمظاهر الجلال مرتبة التبعية والفرعية ولمظاهر الجمال مرتبة الاستقلالية والاصلية لان الامداد الواصل الى مظاهر الجلال لقيامهم ودوامهم وبقائهم مستقاد من مظاهر الجمال ولذا قيل لولا الصلحاء لهلك الطلحاء وحكمة محو افكار مظاهر الجلال عن الاصابة الى الاخطاء وجعل افكار مظاهر الجمال مبصرة مصيبة هو نفى المساواة واثبات المباينة بينهما حتى يتحقق رتبة الاصل بالقوة والغلبة والعزة ورتبة الفرع بالضعف والعجز والذلة ويقوم النظام ويدوم الانتظام من غير ان يظهر التجاوز والتعدى من طرف مرتبة التبعية الى رتبة الاستقلالية عند المقابلة والمقاومة بل يطرد الارتفاع والاعتلاء والاستيلاء على الوجه الاوفق والحد الاحق فى طرف الاصالة ويستمر الامر فى نفسه الى ما شاء الله خالق البرية ثم مرتبة القمر اشارة فى المراتب الالهية الى مرتبة الربوبية ومرتبة الشمس الى مرتبة الالوهية وفى المراتب الكونية الآفاقية مرتبة القمر اشارة الى مرتبة الكرسى واللوح ومرتبة الشمس اشارة الى مرتبة العرش والقلم وفى مراتب الكونية الانفسية مرتبة القمر اشارة الى مرتبة الروح ومرتبة الشمس اشارة الى مرتبة السر وغير ذلك من الاشارات القرآنية { لتبتغوا } متعلق بقوله وجعلنا آية النهار اى لتطلبوا لانفسكم فى بياض النهار { فضلا من ربكم } اى رزقا وسماه فضلا لان اعطاء الرزق لا يجب على الله وانما يفيضه بحكم الربوبية وفى التعبير عن الكسب بالابتغاء دلالة على ان ليس للعبد فى تحصيل الرزق تأثير سوى الطلب { ولتعلموا } متعلق بكلا الفعلين اى لتعلموا باختلاف الجديدين او ميزهما ذاتا من حيث الاظلام والاضاءة مع تعاقبهما وسائر احوالهما { عدد السنين } التى يتعلق بها غرض علمى لاقامة مصالحكم الدينية والدنيوية { والحساب } اى الحساب المتعلق بما فى ضمنها من الاوقات اى الاشهر والليالى والايام وغيرذلك مما نيط به شئ من المصالح المذكورة ولولا ذلك لما علم احد حسبان الاوقات ولتعطلت امور كثيرة. والحساب احصاء ماله كمية منفصلة بتكرير امثاله من حيث يتحصل بطائفة معينة فيها حد معين منه له اسم خاص وحكم مستقل والعد احصاؤه بمجرد تكرير امثاله من غير ان يتحصل منه شئ كذلك السنة تتحصل بعدة شهور والشهر بعدة ايام واليوم بعدة ساعات. والسنين جمع سنة وهى شمسية وقمرية فالسنة الشمسية مدة وصول الشمس الى النقطة التى فارقتها من ذلك البرج وذلك ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم والسنة القمرية اثنا عشر شهرا قمريا ومدتها ثلاثمائة واربعة وخمسون يوما وثلث يوم قالوا ان اقر العنين انه لم يصل اجله الحاكم سنة قمرية فىالصحيح وبحسب فدية الصلاة بالسنة الشمسية اخذا بالاحتياط من غير اعتبار ربع اليوم ففدية كل فرض من الحنطة خمسمائة درهم وعشرون درهما وللوتر كذلك فيكون فدية كل صلاة يوم وليلة ومن الحنطة ثلاثة آلاف درهم ومائة وعشرين درهما وفدية كل سنة شمسية مائة واثنان واربعون كيلا يكيل القسطنطينية وسبع اوقية ويكون قيمة هذا المقدار من الحنطة محسوبة بالحساب الجارى بين الناس فى كل عهد وزمان { وكل شئ } تقتقرون اليه فى المعاش والمعاد وهو منصوب بفعل يفسره قوله تعالى { فصلناه تفصيلا } اى بيناه فى القرآن بيانا بليغا لا التباس معه فازحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا فليتبع العاقل ما ادركه اى لحقه علمه وليفوض ما جهله منه الى العلم.
وفيه اشارة الى ان العالم اذا تدبر فى القرآن وقف على جميع المهمات وكان الصحابة رضى الله عنهم يكرهون ان يمضى يوم ولم ينظروا فى مصحف لان النظر اليه عبادة.
وفيه ايضا وقوف على المرام فان التدبر يؤدى الى ظهور خفايا الكلام - حكى - ان الامام محمد بن الحسن صاحب ابى حنيفة دخل على ابى حنيفة لتعلم الفقه قال استظهرت القرآن يا بنى قال لا قال استظهر أولا فغاب سبعة ايام ثم رجع الى ابى حنيفة فقال ألم اقل لك استظهر قال استظهرت.
قال الشافعى رضى الله عنه بت عنده ليلة فصليت الى الصبح واضطجع هو الى الصبح فاستنكرت ذلك منه فقام وصلى ركعتى الفجر من غير توضى فقلت له فى ذلك فقال أظننت انى نمت كلا استخرجت من كتاب الله نيفا والف مسألة فانت عملت لنفسك وانا عملت للامة او انما اضطجعت لان صفاء خاطرى فى تلك الحالة. وهذه الصورة سرّ ما قال حضرت الشيخ الاكبر قدس سره الاطهر سبب اضطجاع الانبياء على ظهورهم عند نزول الوحى اليهم ان الوارد الالهى الذى هو صفة القيومية اذا جاءهم اشتغل روح الانسان عن تدبيره فلم يبق للجسم من يحفظ عليه قيامة ولا قعوده فرجع الى اصله وهو لصوقه بالارض.
ثم ان فى القرآن تفصيلا لأهل العبارة واهل الاشارة: وفى المثنوى

تو زقرآن اى بسر ظاهر مبين ديو آدم را نبيند غير طين
ظاهر قرآن جو شخص آدميست كه نقوشش ظاهر وجانس خفيست