التفاسير

< >
عرض

ٱنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً
٢١
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } كيف فى محل النصب بفضلنا على الحالية لا بالنظر لان الاستفهام يحجب ان يتقدم عليه عامله لاقتضائه صدر الكلام اى انظر يا محمد بنظر الاعتبار كيف فضلنا بعض الآدميين على بعض فيما امددناهم من العطايا الدنيوية فمن وضيع ورفيع ومالك ومملوك وموسر وصعلوك تعرف بذلك مراتب العطايا الاخروية ودرجات تفاضل اهلها على طريقة الاستشهاد بحال الادنى على حال الاعلى كما افصح عنه قوله تعالى { وللآخرة } اى هى وما فيها { اكبر } من الدنيا { درجات } نصب على التمييز وهى جمع درجة معنى المرتبة والطبقة { واكبر تفضيلا } وذلك لان التفاوت فى الآخرة بالجنة ودرجاتها العالية لان ما بين كل درجتين كما بين السماء والارض.
وفى التأويلات النجمية { انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض } من اهل الدنيا فى النعمة والدولة وموافاة المرادات ليتحقق لك انها من امدادنا اياهم { وللآخرة } اى اهل الآخرة { اكبر درجات واكبر تفضيلا } من اهل الدنيا لان مراتب الدرجات الاخروية وفضائل اهلها باقية غير متناهية ونعمة الدنيا وفضائل اهلها فانية متناهية: قال الحافظ

فى الجملة اعتماد مكن بر ثبات دهر كين كار خانه ايست كه تغيير ميكنند

فعلى العاقل تحصيل الدرجات الاخروية الباقية. وفى الحديث "اكثر اهل الجنة البله وعلييون لذوى الالباب" اراد بذوى الالباب العلماء ألا يرى الى قوله عليه السلام "فضل العالم على العابد كفضلى على ادناكم وفى رواية كفضل القمر على سائر الكواكب" وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما فى تفسير قوله تعالى { والذين اوتوا العلم درجات } يرفع العالم فوق المؤمن بسبعمائة درجة بين كل درجتين كما بين السماء والارض فبهذه الشواهد يتضح ان تفاوت درجات اهل الجنة بحسب تفاوت معارفهم الالهية وعلومهم الحقيقة كما قال عليه السلام "ان فى الجنة مدينة من نور لم ينظر اليها ملك مقرب ولا نبى مرسل جميع ما فيها من القصور والغرف والازواج والخدم من النور اعدها الله للعاقلين فاذا ميز الله اهل الجنة من اهل النار ميزاهل العقل فجعلهم فى تلك المدينة فيجزى كل قوم على قدر عقولهم قيتفاوتون فى الدرجات كما بين المشارق والمغارب بالف ضعف" وعنه عليه السلام "ان فى الجنة درجة لا ينالها الا اصحاب الهموم" يعنى فى طلب الخير والمعيشة وقال عليه السلام "ان فى الجنة درجة لا ينالها الا ثلاثة اقسام عادل وذو رحم واصل وذو عيال صبور فقال على رضى الله عنه ما صبر ذى العيال قال لا يمن على اهله ما ينفق عليهم" - روى - ان عدة من الناس اجتمعوا بباب عمر رضى الله عنه فخرج الاذن لبلال وصهيب فشق على ابى سفيان فقال لسهيل بن عمرو انما ابينا من قبلنا فانهم دعوا ودعينا يعنى الى الاسلام فاسرعوا وابطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت فى الآخرة ولئن حسدتموهم على باب عمر فما اعد الله لهم فى الجنة اكثر.
وقرئ واكثر تفضيلا. وفى قول بعضهم ايها المباهى بالرفع منك فى مجالس الدنيا أما ترغب فى المباهاة بالرفع فى مجالس الآخرة وهى اكبر وافضل وعنه عليه السلام
"بين المجاهد والقاعد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة" اى عدوه وعنه عليه السلام "تعلموا العلم فالله تعالى يبعث يوم القيامة الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر الخلق على درجاتهم" كما فى بحر العلوم وفى المثنوى

علم را دوبر كما نرا يك براست ناقص آمد ظن به برواز ابتراست
مرغ يك بر زود افتد سرنكون بازبر برد دوكامى يا فزون
افت وخيزان مييرد مرغ كمان بايكى بر بر اميد آشيان
دون زظن وارست وعلمش رونمود شد دوبر آن مرغ يك بربر كشود
بعد ازان يمشى سويا مستقيم نى على وجه مكبا او سقيم

اللهم اجعلنا من اهل اليقين والتمكين.