التفاسير

< >
عرض

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً
٢٣
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقضى ربك } اى امر كل مكلف امرا مقطوعا به فضمن قضى معنى امر وجعل المضمن اصلا والمضمن فيه قيدا له لان المقضى يجب وقوعه ولم يقع من بعض المخاطبين التوحيد.
وفى التأويلات النجمية وانما قال ربك اراد به النبى لا نه مخصوص بالتربية اصالة والامة تبع له فى هذا الشأن وقوله { وقضى ربك } اى حكم وقدر فى الازل { ان لا تعبدوا } اى بان لا تعبدوا على ان ان مصدرية ولا نافية { الا اياه } لان العبادة غاية التعظيم فلا تحق الا لمن له غاية العظمة ونهاية الانعام { وبالوالدين احسانا } اى بان تحسنوا بهما احسانا لانهما السبب الظاهرى للوجود والتعيش والله تعالى هو السبب الحقيقى فاخبر بتعظيم السبب الحقيقى ثم اتبعه بتعظيم السبب الظاهرى يعنى الله تعالى قرن احسان الوالدين بتوحيده لمناسبتهما لحضرة الالوهية والربوبية فى سببيتهما لوجودك وتربيتهما اياك عاجزا صغيرا وهما اول مظهر ظهر فيهما آثار صفات الله تعالى من الايجاد والربوبية والرحمة والرأفة بالنسبة اليك ومع ذلك فهما محتاجان الى قضاء حقوقهما والله غنى عن ذلك. فاهم الواجبات بعد التوحيد احسانهما وفى الحديث
"بر الولدين افضل من الصلاة والصوم والحج والعمرة والجهاد فى سبيل الله" ذكره الامام { اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما } [اكر برسد نزديك تو بزرك سالى وكبر سن يكى ازايشان يا هردو ايشان يعنى بزنيد تابير شوند ومحتاج خدمت تو كردند].
قوله اما مركبة من ان الشرطية وما المزيدة لتأكيدها ولذلك حل الفعل نون التأكيد ومعنى عندك فى كنفك وكفالتك واحدهما فاعل للفعل وتوحيد ضمير الخطاب فى عندك وفيما بعده مع ان ما سبق على الجمع للاحتراز عن التباس المراد فان المقصود نهى كل احد عن تأفيف والديه ونهرهما ولو قوبل الجمع بالجمع او بالتثنية لم يحصل هذا المراد.
قال فى الاسئلة المقحمة ان قلت كيف خص الله حال الكبر بالاحسان الى الوالدين وهو واجب فى حقهما على العموم والجواب ان هذا وقت الحاجة فى الغالب وعند عدم الحاجة اجابتهما ندب وفى حالة الحاجة فرض انتهى { فلا تقل لهما } اى لواحد منهما حالتى الانفراد والاجتماع { اف } هو صوت يدل على تضجر واسم للفعل الذى هو الضجر وقرئ بحركات الفاء فالتنوين على قصد التنكير كصه ومه وايه وغاق وتركه على قصد التعريف والكسر على اصل البناء ان بنى على الكسر لالتقاء الساكنين وهما الفا آن والفتح على التخفيف والضم للاتباع كمنذ وهو بالشاذ. والمعنى لا تتضجر بما تستقذر منهما وتستثقل من مؤونتهما وهو عام لكل اذى لكل خص بعضه بالذكر اعتناء بشأنه فقيل { ولا تنهرهما } اى لا تزجرهما باغلاظ اذا كرهت منهما شيأ { وقل لهما } بدل التأفيف { قولا كريما } ذا كرم وهو القول الجميل الذى يقتضيه حسن الآدب ويستدعيه النزول على المروءة مثل ان تقول يا آبتاه ويا اماه كدأب ابراهيم عليه السلام اذ قال لابيه يا أبت مع ما به من الكفر ولا يدعوهما باسمائهما فانه من الجفاء وسوء الادب وديدن الدعاء الا ان يكون فى غير وجههما كما قالوا ولا يرفع صوته فوق صوتهما ولا يجهر لهما بالكلام بل يكلمهما بالهمس والخضوع الا لضرورة الصمم والا فهام ولا يسب والدى رجل فيسب ذلك الرجل والديه ولا ينظر اليهما بالغضب.