التفاسير

< >
عرض

وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً
٢٤
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ واخفض لهما جناح الذل } جناح الذل استعارة بالكناية جعل الذل والتواضع بمنزله طائر فاثبت له الجناح تخبيلا اى تواضع لهما ولين جانبك وذلك ان الطائر اذا قصد ان ينحط خفض جناحه وكسره واذا قصد ان يطير رفعه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلا فى التواضع ولين الجانب.
قال القاضى وامره بخفضه مبالغة فى ايجاب الذل وترشيحا للاستعارة.
قال ابن عباس رضى الله عنهما كن مع الوالدين كالعبد المذنب الذليل الضعيف للسيد الفظ الغليظ اى فى التواضع والتملق { من الرحمة } من ابتدائيه او تعليلية اى من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما اليوم الى من كان افقر خلق الله اليهما قالوا ينظر اليهما بنظر المحبة والشفقة والترحم وفى الحديث
"ما من ولد ينظر الى الوالد والى والدته نظر مرحمة الا كان له بهاحجه وعمرة قيل وان نظر فى اليوم الف مرة قال وان نظر فى اليوم مائة الف" كما فى خالصة الحقائق ويقبل رجل امه تواضعا - حكى - ان رجلا جاء الى الاستاذ ابى اسحق فقال رأيت البارحة فى المنام ان لحيتك مرصعة بالجواهر واليواقيت فقال صدقت فانى البارحة مسحت لحيتى تحت قدم والدتى قبل ان نمت فهذا من ذاك ويباشر خدمتهما بيده ولا يفوضها الى غيره لانه ليس بعار للرجل ان يخدم معلمه وابويه وسلطانه وضيفه ولا يؤمه للصلاة وان كان افقه منه اى اعلم بالفقه من الاب ولا يمشى امامهما الا ان يكون لاماطة الاذى عن الطريق ولا يتصدر عليهما فى المجلس ولا يسبق عليهما فى شئ اى فى الا كل والشرب والجلوس والكلام وغير ذلك.
قال الفقهاء لا يذهب بابيه الى البيعة واذا بعث اليه منها ليحمله فعل ولا يناوله الخمر ويأخذ الاناء منه اذا شربها. وعن ابى يوسف اذا امره ان يوقد تحت قدره وفيها لحم الخنزير او قد كما فى بحر العلوم ولا ينسب الى غير والديه استنكافا منهما فانه يستوجب اللعنة قال عليه السلام
"فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" اى نافلة وفريضة كما فى الاسرار المحمدية.
قال فى القاموس الصرف فى الحديث التوبة والعدل الفدية او هو النافلة والعدل الفريضة او بالعكس او هو الوزن والعدل الكيل او هو الاكتساب والعدل الفدية { وقل رب ارحمهما } وادع الله ان يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية وان كانا كافرين لان من الرحمة ان يهديهما الى الاسلام.
قال الكاشفى [حقيقت دعا رحمت ازولد درحق والدين آنست كه اكر مؤمن اند ايشانرا ببهشت رسان واكر كافراند راه نماى باسلام وايمان].
قال ابن عباس ما زال ابراهيم عليه السلام يستغفر لابيه حتى مات فلما تبين له انه عدو لله تبرأ منه يعنى ترك الدعاء ولم يستغفر له بعدما مات على الكفر كذا فى تفسير ابى الليث وفى الحديث
"اذا ترك العبد الدعاء للوالدين ينقطع عنه الرزق فى الدنيا" سئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال كل ذلك واصل اليه ولا شيئ انفع له من الاستغفار ولو كان شئ افضل منه لامرت به فى الابوين ويعضده قوله عليه السلام "ان الله ليرفع درجة العبد فى الجنة فيقول يا رب أنى لى هذا فيقول باستغفار والدك" وفى الحديث "من زار قبر ابويه او احدهما فى كل جمعة كان بارا" قال الشيخ سعدى قدس سره

سالها بر تو بكذردكه كذر نكنى سوى تربت بدرت
نو بجاى بدرجه كردى خير تاهمان جشم دارى ازبسرت

{ كما ربيانى صغيرا } الكاف فى محل النصب على انه نعت مصدر محذوف اى رحمة مثل رحمتهما علىّ وتربيتهما وارشادهما لى فى حال صغرى وفاء بوعدك للراحمين - "روى - ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان ابوى بلغا من الكبر أنى الى منهما ما وليا منى فى الصغر فهل قضيتهما حقهما قال لا فانهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وانت تفعل ذلك وانت تريد موتهما"