التفاسير

< >
عرض

ذَلِكَ مِمَّآ أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ ٱلْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً
٣٩
-الإسراء

روح البيان في تفسير القرآن

{ ذلك } اى الذى تقدم من التكاليف المفصلة { مما اوحى اليك ربك } اى بعض منه او من جنسه حال كونه { من الحكمة } التى هى علم الشرائع ومعرفة الحق لذاته وهو مقصود الحكمة النظرية وعمدتها والخير للعمل به وهى الحكمة العلمية او من الاحكام المحكمة التى لا يتطرق اليها النسخ والفساد { ولا تجعل مع الله الها آخر } الخطاب للرسول والمراد غيرة ممن يتصور منه صدور المنهى عنه وتكريره للتنبيه بان التوحيد مبدأ الامر ومنتهاه فان من لا قصد له بطل عمله ومن قصده بفعله او تركه غيره ضاع سعيه وانه رأس كل حكمة وملاكها ومن عدمه لم ينفعه علومه وحكمه وان بدّ فيها اساطين الحكماء وحك بيافوخه عنان السماء وما اغنت عن الفلاسفة اسفار الحكم وهم عن دين الله اضل من النعم وقد رتب عليه ما هو عائدة الاشراك فى الدنيا حيث قيل { فتقعد مذموما مخذولا } ورتب عليه ههنا نتيجته فى العقبى فقيل { فتلقى فى جهنم ملوما } تلوم نفسك وتذمك وتلومك الناس والملائكة { مدحورا } مطرودا مبعدا من رحمة الله ومن كل خير وهو تمثيل فانه تعالى شبه من اشرك بالله استحقارا له بخشبة يأخذها آخذ فى كفه فيطرحها فى التنور فالتوحيد اصل الحسنات والشرك اصل السيآت.
قال اهل التحقيق ان كلمة لا اله الا الله اذا قالها الكافر تنفى ظلمة الكفر وتثبت فى قلبه نور التوحيد واذا قالها المؤمن تنفى عنه ظلمة النفس وتثبت فى قلبه نور الوحدانية وان من قالها فى كل يوم الف مرة فبكل مرة تنفى عنه شيئا لم تنفعه المرة الاولى ومقام العلم بالله لا ينتهى الى الابد قال تعالى
{ وقل ربى زدنى علما } }

اى برادر بى نهايت دركهيست هركجا كه ميرسى بالله مأيست

قال يحيى بن معاذرحمه الله ما طابت الدنيا الا بذكرك ولا الآخرة الا بعفوك ولا الجنة الا بلقائك وفى الحديث "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالم او متعلم" والتوحيد اثبات الوحدة فاهله على الكمال من يفر من الكثرة الى الوحدة.
قال الشيخ ابو الحسنرحمه الله سمعت وصف ولىّ فى جبل فبت عند باب صومعته ليلة فسمعته يقول الهى ان بعض عبادك طلب منك تسخير الخلق فاعطيته مراده وانا اريد منك ان لا يحسنوا معاملتهم معى حتى لا التجئ الا الى حضرتك حققنا الله واياك بحقائق هذا المقام وشرفنا بالفرار كل لحظة الى جنابه العلام ومعنى الفرار ايثاره تعالى على ما سواه لان علو الهمة انما يظهر فيه - حكى - ان سلطانا كان يحب واحدا من وزرائه اكثر من غيره فحسدوه وطعنوا فيه فاراد السلطان ان يظهر حاله فى الحب فاضافهم فى دار مزينة بانواع الزينة ثم قال ليأخذ كل منكم ما اعجبه فى الدار فاخذ كل منهم ما اعجبه من الجواهر والمتاع واخذ الوزير المحسود السلطان وقال ما اعجبنى الا انت: قال الحافظ

كداى كوى توازهشت خلد مستغنيست اسير عشق توازهر دوكون ازادست

يعنى ان العاشق الصادق لا يختار الا المعشوق ويصير حرا عن هوى غيره على كل حال.