التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَـٰذَا رَشَداً
٢٤
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ الا ان يشاء الله } استثناء مفرغ من النهى اى لا تقولن ذلك فى حال من الاحوال الاحال ملابسته بمشيئته تعالى على الوجه المعتاد وهو ان يقال ان شاء الله وفيه اشارة الى ان الاختيار والمشيئة لله وافعال العباد كلها مبنية على مشيئته كما قال { وما تشاؤون الا ان يشاء الله } { واذكر ربك } اى قل ان شاء الله { اذا نسيت } ثم تذكرته كما روى انه عليه السلام لما نزل قال { ان شاء الله } { وقل عسى }[شايدكه]{ ان يهدين ربى } اى يوفقنى { لاقرب من هذا } اى لشئ اقرب واظهر من نبأ اصحاب الكهف من الآيات والدلائل الدالة على نبوتى { رشدا } اى ارشادا للناس ودلالة على ذلك وقد فعل حيث اراه من البينات ما هو اعظم من ذلك وابين كقصص الانبياء المتبعادة ايامهم والحوادث النازلة فى الاعصار المستقبلة الى قيام الساعة.
قال سعدى المفتى لما جعل اليهود الحكاية عن اصحاب الكهف دالة على نبوته هون الله امرها وقال { قل عسى } الآية كما هون المحكى فى مفتتح الكلام بقوله
{ ام حسبت ان اصحاب الكهف والرقيم } الآية انتهى.
وقال السمرقندى فى بحر العلوم والظاهر ان يكون المعنى اذا نسيت شيئا فاذكر ربك وذكر ربك عند نسيانه ان تقول عيسى ربى ان يهدينى لشئ آخر بدل هذا المنسى اقرب منه رشدا وادنى خيرا ومنفعة انتهى. قال الامام فى تفسيره والسبب فى انه لا بد من ذكر هذا القول هو ان الانسان اذا قال سافعل الفعل الفلانى غدا لم يبعد ان يموت قبل ان يجيئ الغد ولم يبعد ايضا لو بقى حيا ان يعوقه من ذلك الفعل عائق فاذا لم يقل ان شاء الله صار كاذبا فى ذلك الوعد والكذب منفر وذلك لا يليق بالانبياء عليهم السلام فلهذا السبب وجب عليه ان يقول ان شاء الله حتى انه بتقدير ان يتعذر عليه الوفاء بذلك الموعود لم يصر كاذبا فلم يحصل التنفير انتهى.
قال ابو الليثرحمه الله روى ابو هريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال قال سليمان بن داود عليهما السلام "لاطوفن الليلة على مائة امرأة كل امرأة تأتى بغلام يقاتل فى سبيل الله ونسى ان يقول ان شاء الله فلم تأت واحدة منهن بشئ الا امرأة بشق غلام" فقال النبى عليه السلام
"والذى نفسى بيده لو قال ان شاء الله لولد له ذلك" وذلك ان من لم يعلق فعله بمشيئته تعالى فان من سنته ان يجرى الامر على خلاف مشيئته ليعلم ان لا مشيئية فى الحقيقة الا الله تعالى وفى الحديث "ان من تمام ايمان العبد ان يستثنى فى كل حديثه" اى سواء كان ذلك باللسان والقلب معا او بالقلب فقط فان مجرد الاستثناء باللسان غير مفيد: وفى المثنوى

ترك استثناء مرادم قسوتيست نى همين كفتن كه عارض حالتيست
اى بسا نا ورده استثناء بكفت جان او باجان استثناست جفت

ومن لطائف روضة الخطيب انه سئل رجل الى اين فقال الى الكناسة لاشترى حمارا فقيل قل ان شاء الله فقال لست احتاج الى الاستثناء فالدراهم فى كمى والحمير فى الكناسة فلم يبلغ الكناسة حتى سرقت دراهمه من كمه فرجع فقال رجل من اين قال من الكناسة ان شاء الله سرقت دراهمى ان شاء الله.
واعلم ان ابن عباس رضى الله عنهما جوز الاسثتناء المنفصل بالآية المذكورة وعامة الفقهاء على خلافه اذ لو صح ذلك لما تقرر اقرار ولا طلاق ولا عتاق ولم يعلم صدق ولا كذب فى الاخبار عن الامور المستقبلة.
قال القرطبى فى تأويل الآية هذا فى تدارك التبرّى والتخلص من الاثم واما الاستثناء المغير للحكم فلا يكون الا متصلا انتهى.
قال فى مناقب الامام الاعظم روى ان محمد بن اسحاق صاحب المغازى كان يحسد ابا حنيفة لما روى من تفضيل المنصور ابى جعفر ابا حنيفة على سائر العلماء فقال محمد بن اسحاق عند امير المؤمنين ابى جعفر المنصور لابى حنيفة ما تقول فى رجل حلف وسكت ثم قال ان شاء الله بعد ما فرغ من يمينه وسكت فقال ابو حنيفة لا يعمل الاستثناء لانه مقطوع وانما ينفعه اذا كان متصلا فقال محمد بن اسحاق كيف لا ينفعه وقد قال جد امير المؤمنين وهو عبد الله بن عباس رضى الله عنهما انه يعمل الاستثناء وان كان بعد سنة لقوله تعالى
{ واذكر ربك اذا نسيت } فقال امير المؤمنين اهكذا قول جدى فقال نعم فقال المنصور على وجه الغضب لابى حنيفة أتخالف جدى يا ابا حنيفة فقال ابو حنيفة لقول ابن عباس تأويل يخرج على الصحة ثم قال لامير المؤمنين ان هذا واصحابه لا يرونك اهلا للخلافة لانهم يبايعونك ثم يخرجون فيقولون ان شاء الله ويخرجون من بيعتك ولا يكون فى عنقهم حنث فقال امير المؤمنين لاعوانه خذوا هذا يعنى محمد بن اسحاق فاخذوه وجعلوا رداءه فى عنقه وحبسوه

ملزم آمد محمد اسحاق مبتلا شد بنقيض اطلاق

وفيه تعظيم امام الملة قائل الحق بغير العله.