التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً
٢٦
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ قل الله اعلم بما لبثوا } قال البغوى ان الامر فى مدة لبثهم كما ذكرنا فان نازعوك فيها فاجبهم و{ قل الله اعلم بما لبثوا } اى بالزمان الذى لبثوا فيه لان علم الخفيات مختص به ولذلك قال { له } خاصة { غيب السموات والارض } اى ما غاب عن اهل الارض { ابصر به }[جه بيناست خداى تعالى بهر موجودى] { واسمع } [وجه سنواست بهر مسموعى].
قال الشيخ فى تفسيره الضمير فى به لله محله رفع لكونه فاعلا لفعل التعجب والباء زائدة والهمزة فى الفعلين للصيرورة اصله بصر الله وسمع ثم غير الى لفظ الامر وليس بامر اذلا معنى للامر هنا ومعناه ما ابصر الله بكل موجود وما اسمعه لكل مسموع وصيغة التعجب ليست على حقيقتها لاستحالته على الله بل للدلالة على ان شأن علمه بالمبصرات والمسموعات خارج عما عليه ادراك المدركين لا يحجبه شئ ولا يحول دونه حائل ولا يتفاوت بالنسبة اليه اللطيف والكثيف والصغير والكبير والخفى والجلى ولعل تقديم امر ابصاره تعالى لما ان الذى نحن بصدده من قبيل المبصرات.
قال فى التأويلات النجمية { ابصر به واسمع } اى هو البصير بكل موجود وهو السميع بكل مسموع فبه ابصر وبه اسمع انتهى.
قال القيصرىرحمه الله سمعه تعالى عباره عن تجليه بعلمه المتعلق بحقيقة الكلام الذاتى فى مقام جمع الجمع والاعيانى فى مقام الجمع والتفصيل ظاهرا وباطنا لا بطريق الشهود وبصره عبارة عن تجليه وتعلق علمه بالحقائق على طريق الشهود وكلامه عبارة عن التجلى الحاصل من تعلق الارادة والقدرة لاظهار ما فى الغيب وايجاده قال تعالى
"انما امره اذا اراد شيئا" الآية { ما لهم } اى لاهل السموات والارض { من دونه } تعالى { من ولى } يتولى امرهم وينصرهم استقلالا ومن الاولى متعلقة بولى على الحال والثانية للاستغراق كأنه قيل مالهم من دونه ولى ما { ولا يشرك فى حكمه احدا } اى لا يجعل الله تعالى احدا من الموجودات العلوية والسفلية شريكا لذاته العالية فى قضائه الازلى الا الابد لعزته وغناه.
قال الامام المعنى انه تعالى لما حكى ان لبثهم هو هذا المقدار فليس لاحد ان يقول بخلافه انتهى.
قال بعض الكبار هذه الامور المدبرة المنزلة بين السموات والارض الجارية الحادئة فى الواقع الظاهرة على ايدى مظاهرها واسبابها فى الخارج فى الليل والنهار هى الامور المحكمة المحفوظة من تبديل غير الحق تعالى وتغييره لانها المقادير التى قدرها ودبرها واحكم صنعها ولا قدرة لاحد غيره على محو ما اثبته واثبات ما محاه
{ يمحو الله ما يشاء ويثبت } وليس لغيره كائنا من كان غير التسليم والرضى اذ ليس بشريك له تعالى فى حكمه وفى الحديث القدسى "قدرت المقادير ودبرت التدبير واحكمت الصنع فمن رضى فله الرضى منى حتى يلقانى ومن سخط فله السخط منى حتى يلقانى" : قال الحافظ

رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى كه برمن وتو در اختيار نكشادست

وقال

در دائره قسمت ما نطقه تسليميم لطف آنجه توانديشى حكم انجه توفرمايى

يعنى ليس للعبد اعتراض على المولى فى حكمه وامره وانما له التسليم والرضى وترك التدبير كما قال بعض الكبار عن لسان الحق تعالى يا مهموما بنفسه كنت من كنت لو القيتها الينا واسقطت تدبيرها وتركت تدبيرك لها واكتفيت بتدبيرنا لها من غير منازعة فى تدبيرنا لها لاسترحت جعلنا الله واياكم هكذا بفضله وهذا مقال عال لم يصل اليه الا افراد الرجال الذين رفعوا منازعة النفس من البين ومشوا بالتسليم والرضى فى كل اين يا رجل اين هم فى هذا الزمان وكيف تبين حالهم للانسان فاجتهد لعلك تظفر بواحد منهم حتى تكون ممن رضى الله عنهم