التفاسير

< >
عرض

وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً
٢٩
إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً
٣٠
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ وقل } لاولئك الغافلين المتبعين هواهم { الحق } ما يكون { من ربكم } من جهة الله لا ما يقتضيه الهوى فانه باطل او هذا الذى اوحى الى هو الحق كائنا من ربكم فقد جاء الحق وانزاحت العلل فلم يبق الا اختياركم لانفسكم ما شئتم مما فيه النجاة والهلاك.
وفى التأويلات النجمية { وقل الحق من ربكم } فى التبشير والانذار وبيان السلوك لمسالك ارباب السعادة والاحتراز عن مهالك اصحاب الشقاوة { فمن شاء فليؤمن } من نفوس اهل السعاة { ومن شاء فليكفر } من قلوب اهل الشقاوة.
قال فى الارشاد { فمن شاء فليؤمن } كسائر المؤمنين ولا يتعلل بما لا يكاد يصلح للتعليل { ومن شاء فليكفر } لا ابالى بايمان من آمن وكفر من كفر فلا اطرد المؤمنين المخصلين لهواكم لرجاء ايمانكم بعد ما تبين الحق ووضح الامر وهو تهديد ووعيد لا تخيير اراد ان الله تعالى لا ينفعه ايمانكم ولا يضره كفركم فان شئتم فآمنوا وان شئتم فاكفروا فان كفرتم فاعلموا ان الله يعذبكم وان آمنتم فاعلموا انه يثيبكم كما فى الاسئلة المقحمة قال تعالى
{ ان تكفروا فان الله غنى عنكم } اى عن ايمانكم { ولا يرضى لعباده الكفر } وان تعلق به ارادته من بعضهم ولكن لا يرضى رحمة عليهم لاستضرارهم به { وان تشكروا } الله فتؤمنوا { يرضه لكم } الى الشكر.
قال فى بحر العلوم فمن شاء الايمان فليصرف قدرته وارادته الى كسب الايمان وهو ان يصدق بقلبه يجميع ما جاء من عند الله ومن شاء عدمه فليختره فانى لا ابالى بكليهما.
وفيه دلالة بينة على ان للعبد فى ايمانه وكفره مشيئة واختيارا فهما فعلان يتحققان بخلق الله وفعل العبد معا وكذا سائر افعاله الاختيارية كالصلاة والصوم مثلا فان كل واحد منهما لا يحصل الا بمجموع ايجاد الله وكسب العبد وهو الحق الواسط بين الجبر والقدرة ولولا ذلك لما ترتب استحقاق العباد على ذلك بقوله { انا اعتدنا } هيأنا { للظالمين } اى لكل ظالم على نفسه بارادة الكفر واختياره على الايمان { نارا } عظيمة عجيبة { احاط بهم } يحيط بهم وايثار صيغة الماضى للدلالة على التحقق { سرادقها } اى فسطاطها وهو الخيمة شبه به ما يحيط بهم من النار.
وفى بحر العلوم السرادق ما يدار حول الخيمة من شقق بلا سقف.
وعن ابى سعيد قال عليه السلام
"سرادق النار اربعة جدر كثف كل جدار مسيرة اربعين سنة" { وان يستغيثوا }[واكر فرياد خواهى كنند ازتشنكى] { يغاثوا } [فرياد رس شوند]{ بماء كالمهل } كالحديد المذاب وقيل غير ذلك والتفصيل فى القاموس وعلى اسلوب قوله يعنى فى التهكم فاعتبوا بالصليم اى يجعل المهل لهم مكان الماء الذى طلبوه كما ان الشاعر جعل الصليم لهم اى الداهية مكان العتاب الذى يجرى بين الاحبة { يشوى } [بريان كند وبسوزد] { الوجوه } اذا قدم ليشرب من فرط حرارته وعن النبى عليه السلام "هو كعكر الزيت" اى درديه فى الغلظة والسواد فاذا قرب اليه سقطت فروة وجهه { بئس الشراب } ذلك الماء الموصوف لان المقصود تسكين الحرارة وهذا يبلغ فى الاحراق مبلغا عظيما { وساءت } النار { مرتفقا } تمييز اى متكأ ومنزلا واصل الارتفاق نصب المرفق تحت الخد وأنى ذلك فى النار وانما هو لمقابلة قوله { وحسنت مرتفقا
} وقال سعدى المفتى الاتكاء على المرفق كما يكون للاستراحة يكون للتحيرو التحزن وانتفاء الاول هنا مسلم دون الثانى فلا تثبت المشاكلة انتهى.
يقول الفقير المتكأ بمعنى [تكيه كاه] بالفارسية والاعتماد لا يراد حقيقته وانما يراد المنزل فيجرد عن الاستراحة لكونه جهنم نعوذ بالله منها. فعلى المؤمن الاجتناب عن الظلم والمعاصى والاصرار عليهما على تقدير الذلة فالتدارك بالاستغفار والندامة ولاشتغال بالتوحيد والاذكار والا فالسفر بعيد وحر الناس شديد وماؤها مهل وصديد وقيدها حديد وفى الحديث
"ان ادنى اهل النار عذابا ينعل بنعلين من نار يغلى دماغه من حرارة نعله" - روى - عن مالك بن دينار انه قال مررت على صبى وهو يلعب بالتراب يضحك تارة ويبكى اخرى فاردت ان اسلم عليه فمنعتنى نفسى فقلت يا نفس كان النبى صلى الله عليه وسلم يسلم على الصغار والكبار فسلمت فقال وعليك السلام ورحمة الله يا مالك فقلت ومن اين عرفتنى قال الفت روحى بروحك فى عالم الملكوت فعرفنى الحى الذى لا يموت فقلت ما الفرق بين النفس والعقل فقال نفسك التى منعتك عن السلام وعقلك الذى حرضك عليه فقلت لم تلعب بالتراب فقال لانا خلقنا منه ونعود اليه فقلت ولم الضحك والبكاء قال اذا ذكرت عذاب ربى ابكى واذا ذكرت رحمته اضحك فقلت يا ولدى أى ذنب لك حتى تبكى اى لانك لست بمكلف قال لا تقل هذا فانى رأيت امى لم توقد الحطب الكبار الا بالصغار فعليك بالاعتبار:وفى المثنوى.

نى ترا از روى ظاهر طاعتى نى ترا درسر باطن نيتى
نى ترا شبها مناجات وقيام نى ترا در روز برهيز وصيام
نى ترا حفظ زبان ز آزار كس نى نظر كردن بعبرت بيش وبس
بيش جه بود ياد مرك ونزع خويش بس جه باشد مردن ياران زبيش
نى ترا برظلم توبه بر خروش اى دغا كندم نماى جو فروش
جون ترازوى تو كج بود ودغا راست جون جويى ترازوى جزا
جونكه باى جب بدى درغد روكاست نامة جون آيد ترا دردست راست
جون جزا سايه است اى قد توخم سايه تو كج فتد در بيش هم

وعن يزيد الرقاشى انه قال "جاء جبريل الى النبى صلى الله عليه وسلم متغير اللون قال النبى عليه السلام يا جبريل مالى اراك متغير اللون فقال يا محمد جئتك الساعة التى امر الله فيها بمنافخ النار فقال صلى الله عليه وسلم صف لى جهنم قال يا محمد ان الله لما خلق جهنم جعلها سبع طبقات ان اهون طبقة منها فيها سبعون الف الف جبل من نار وفى كل جبل سبعون الف الف واد من نار وفى كل واد سبعون الف الف بيت من نار وفى كل بيت سبعون الف الف صندوق من نار وفى كل صندوق سبعون الف الف نوع من العذاب" نعوذ بالله تعالى منه كذا فى مشكاة الانوار وهذا غير محمول على المبالغة بل هو على حقيقته لانه مقابل بنعيم ا لجنان فكل من العذاب والنعيم خارج عن دائرة العقل وليس للعاقل الا التسليم والاحتراز عن موجبات العذاب الاليم { ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات } جمعوا بين عمل القلب وعمل الاركان. والصالحات جمع صالحة وهى فى الاصل صفة ثم غلب استعمالها فيما حسنه الشرع من الاعمال فلم تحتج الى موصوف ومثلها الحسنة فيما يتقرب به الى الله تعالى { انا لا نضيع } [الاضاعة كم كردن] { اجر من احسن عملا } الاجر الجزاء على العمل وعملا مفعول احسن والتنوين للتقليل ووضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ان الاجر انما يستحق بالعمل دون العلم اذ به يستحق ارتفاع الدرجات والشرف والرتب كما فى الحديث القدسى "ادخلوا الجنة بفضلى واقتسموها باعمالكم" وعن البراء ابن عازب رضى الله عنه قال قام اعرابى الى النبى صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع والنبى واقف بعرفات على ناقته العضباء فقال انى رجل متعلم فخبرنى عن قول الله تعالى { ان الذين آمنوا } الآية فقال عليه السلام "يا اعرابى ما انت منهم ببعيد وما هم عنك ببعيد هم هؤلاء الاربعة الذين هم وقوف معى أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضى الله عنهم فاعلم قومك ان هذه الآية نزلت فى هؤلاء الاربعة" ذكره الامام السهيلى فى كتاب التعريف والاعلام.