التفاسير

< >
عرض

أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى ٱلأَرَآئِكِ نِعْمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً
٣١
-الكهف

روح البيان في تفسير القرآن

{ اولئك } المنعوتون بالنعت الجليل { لهم جنات عدن }.
قال الامام العدن فى اللغة الاقامة فيجوز ان يكون المعنى اولئك لهم جنات اقامة كما يقال هذه دار اقامة ويجوز ان يكون العدن اسما لموضع معين من الجنة وهو وسطها واشرف مكان وقوله جنات لفظ جمع فيمكن ان يكون المراد ما قاله تعالى
{ ولمن خاف مقام ربه جنتان } ثم قال { ومن دونهما جنتان } ويمكن ان يكون نصيب كل واحد من المكلفين جنة على حدة { تجرى من تحتهم الانهار } الاربعة من الخمر واللبن والعسل والماء العذب وذلك لان افضل البساتين فى الدنيا البساتين التى تجرى فيها الانهار { يحلون فيها } اى فى تلك الجنات من حليت المرأة اذا لبست الحلى وهى ما تتحلى به من ذهب وفضة وغير ذلك من الجوهر والتحلية [بيرايه بركردن].
قال الكاشفى [بيرايه بسته شوند دران بوستانها] { من اساور } من ابتدائيه واساور جمع اسورة وهى جمع سوار بالفارسية [دستوان] { من ذهب } من بيانه صفة لاساور وتنكيرها لتعظيم حسنها وتبعيده من الاحالة به.
قال فى بحر العلوم وتنكير اساور للتكثير والتعظيم.
عن سعيد بن جبير يحلى كل واحد منهم ثلاثة اساور واحد من ذهب وواحد من فضة وواحد من لؤلؤ وياقوت فهم يسورون بالاجناس الثلاثة على المعاقبة او على الجمع كما تفعله نساء الدنيا ويجمعن بين انواع الحلى.
قال بعض الكبار اى يتزينون بانواع الحلى من حقائق التوحيد الذاتى ومعانى التجليات العينية الاحدية فالذهبيات هى الذاتيات والفضيات هى الصفات النوريات كما قال
{ وحلوا اساور من فضة } { ويلبسون ثيابا خضرا }[جامهاى سبز] وذلك لان الخضرة احسن الالوان واكثرها طراوة وأحبها الى الله تعالى { من سندس واستبرق } ما رق من الديباج وما غلظ منه والديباج الثوب الذى سداه ولحمته ابريسم واستبرق ليس باستفعل من البرق كما زعمه بعض الناس بل معرب استبره جمع بين النوعين للدلالة على ان لبسهما مما تشتهى الانفس وتلذ الاعين.
اعلم ان لباس اهل الدنيا اما لباس التحلى واما لباس الستر فاما لباس التحلى فقال تعالى فى صفته { يحلون } الآية واما لباس الستر فقال تعالى فى صفته { ويلبسون } الآية.
فان قيل ما السبب فى انه تعالى قال فى الحلى يحلون على فعل ما لم يسم فاعله والمحلى هو الله او الملائكة وقال فى السندس والاستبرق ويلبسون باسناد اللبس اليهم.
فقلنا يحتمل ان يكون اللبس اشارة الى ما استوجبوه بعلمهم بمقتضى الوعد الالهى وان يكون الحلى اشارة الى ما تفضل الله به عليهم تفضلا زائدا على مقدار الوعد وايضا فيه ايذان بكرامتهم وبيان ان غيرهم يفعل بهم ذلك ويزينهم به بخلاف اللبس فانه يتعاطاه بنفسه شريفا وحقيرا يقول الفقير لا شك ان لباس الستر يلبسه المرء بنفسه ولو كان سلطانا فلذا اسند اليه واما لباس الزينة فغيره بزينه به عادة كما يشاهد فى السلاطين والعرائس ولذا اسند الى غيره على سبيل التعظيم والكرامة { متكئين فيها على الارائك } جمع اريكه وهى السرير فى الحجال ولا يسمى السرير وحده اريكة. والحجال جمع حجلة وهى بيت يرين بالثياب للعروس وخص الاتكاء لانه هيئة المتنعمين والملوك على اسرتهم.
قال ابن عطاء متكئين على ارائك الانس فى رياض القدس وميادين الرحمة فهم على بساتين الوصلة شاهدون عليكم فى كل حال { نعم الثواب } ذلك اشارة الى جنات عدن ونعيمها والثواب جزاء الطاعة { وحسنت } اى الارائك { مرتفقا } اى متكأ ومنزلا للاستراحة.
اعلم انه لا كلام فى حسن الجنة وصفة نعيمها وانما الكلام فى الاستعداد لها فالصالحات من الاعمال من الاسباب المعدة لها وهى ما كانت لوجه الله تعالى من الصوم والصلاة وسائر وجوه الخيرات: قال الشيخ سعدى قدس سره

قيامت كه بازار مينو نهند منازل باعمال نيكو نهند
كسى را كه حسن عمل بيشتر بدركاه حق منزلت بيشتر
بضاعت بجند انكه آرى برى اكر مفلسى شر مسار برى
كه بازار جندانكه آكنده تر تهى دست را دل براكنده ثر

قال فى التأويلات النجمية ان لاهل الايمان والاعمال جزاء يناسب صلاحية اعمالهم وحسنها فمنها اعمال تصلح للسير بها الى الجنات وغرفها وهى الطاعات والعبادات البدنية بالنية الصالحة على وفق الشرع والمتابعة ومنها اعمال تصلح للسير الى الله تعالى وهى الطاعات القلبية من الصدق فى طلب الحق والاخلاص فى التوحيد وترك الدنيا والاعراض عما سوى الله والاقبال على الله بالكلية والتمسك بذيل ارادة الشيخ الكامل الواصل المكمل الصالح ليسلكه ولا يغتبر بالامانى فان من زرع الشعير لا يحصد حنطة ـ حكى ـ ان رجلا ببلخ امر عبده ان يزرع حنطة فزرع شعيرا فرآه وقت حصاده وسأله وقال زرعت شعيرا على ظن ان ينبت حنطة فقال يا احمق هل رأيت احدا زرع شعيرا فحصد حنطة فقال العبد فكيف تعصى الله انت وترجو رحمته

هركسى آن درود عاقبت كار كه كشت

أما علمت ان الدنيا مزرعة الآخرة: قال حضرة جلال الدين الرومى قدس سره

جمله دانند اين اكرتو نكروى هرجه مى كاريش روزى بدروى

فتاب الرجل واعتق غلامه فمن ايقظه الله عن سنة الغفلة عرف الله وكان فى تحصيل مرضاته ومرتبة العارف فوق مرتبة العابد والكرامات الكونية لا قدر لها.
وقد ثبت فضل ابى بكر الصديق رضى الله عنه على سائر الصحابة رضى الله عنهم حتى قيل فى شأنه ان الله يتجلى لاهل الجنة عامة ولابى بكر خاصة مع انه لم ينقل عنه شئ من الخوارق وذلك التجلى انما هو بكرامته العلمية التى اعطاها الله اياه واحسن التحقيق بحقائقها ولاهلها جنة عاجلة قلبية فى الدنيا.